يدخل إليها بعض الألفاظ الفنية والعلمية الحديثة، ويجيز بعض الاصطلاحات العامة، كما فعل في الماضي العلماء في بغداد وفي قرطبة، وهذه من ضرورات الحياة لكل لغة من لغات الدنيا.
هل أجبت في هذه الجولة سؤال الأستاذ ضومط؟ ولا بأس - مهما كان من نتيجة ما قلت - بكلمة أخرى فيها زيادة إيضاح، نعم، قد كتبت في اللغة الإنكليزية أصف جمال الطبيعة في بلادنا كما كتبت في العربية
8
ولا يختلف أسلوبي في اللغتين إلا في النظر إلى الموضوع من الوجهة التي تفهم ولا تستغرب تماما، وفي بعض الاستعارات والآراء الاجتماعية التي تتخلل ما أكتب؛ فلكل لغة - كما قلت - روح يجتهد الطامع بشيء من شرف التأليف أن يملك بعضها، فتستملكه إذا فاز وتهديه. وفي هذا الفقير إلى رحمة شكسبير والمعري روحان قضت بهما الولادة والهجرة، فإذا كتبت في الإنكليزية أفكر غالبا وأعبر عن فكري على طريقة الإنكليز، فلا أقول مثلا: «خيم الليل على المدينة» وأهل هذه اللغة من غير أهل الخيام
9
ولا أكتب باللغة العربية: «هز يده» لعلمي أن هز اليد عندنا لا يفيد المصافحة، وهذا مثل واحد من أمثال لا حاجة إلى تعدادها.
إلا أني أشير إشارة إلى الفرق الأكبر بين لغتنا ولغتهم، وهو أننا ننظر إلى الأشياء غالبا من خلال المحسوس فتندر الحقائق المجردة في استعاراتنا. كأننا لا نفقه المعاني إلا إذا صورت أمامنا فتدركها الحواس منا قبل أن يدركها العقل، وهم ينظرون إلى الأشياء غالبا من خلال المعقول فتندر الاستعارات في حقائقهم المجردة
10
والنادر دائما عزيز، لذلك ترانا اليوم نجل الفكر فوق كل إجلال في التأليف، فنبالغ أحيانا في التجريد، وهم - رغم مدنيتهم المادية العملية - يرغبون في شيء من الخيال ويرتاحون - بالأخص - إلى الاستعارات الشرقية، أو ما استطاعوا رده منها إلى لوح الوجود العام فيفهمونه.
أما الاستعارات المنوطة بمظاهر الأخلاق في الأمة وبعاداتها وتقاليدها فلا يفهمها غالبا غير أبنائها، ولا تروق سواهم، والترجمة الحرفية من لغة إلى أخرى سمجة مستهجنة. وأسمج منها التقليد في المحسوس دون المعقول، في الحرف دون المعنى. هذا المتنبي مثلا - وله بين الشعراء عندنا المقام الأول - فلو ترجمنا بعض غلوه في مدح سيف الدولة الذي لا تغيب الشمس إلا بإذن منه، ولا غرو فهو رب الأفلاك وقاهر النجوم؛ لضحكت من ترهاتنا الأمم.
Unknown page