262

Ray Fi Abi Cala

رأي في أبي العلاء: الرجل الذي وجد نفسه

Genres

1: 297

وهذا الإحصار الذي يذكره، اصطلاح فقهي، يريدون به المنع من الحج بعذر قاهر من مرض أو عدو يحول بين الشخص وأداء الشعائر، وهم يعقدون له فصلا خاصا في كلامهم عن الحج، فهل ذكر هذا الإحصار يفسر المعنى الذي جمع من أجله صاحبنا بين الحج والزواج؟ إن أبا العلاء قد يكون محصرا عن الحج بضعفه وعجزه؛ إذ هو مستطيع بغيره - كما يقول - لا بنفسه، وهو لا يجد نفقة السفر له ولخادم يعينه، ثم هو في كبرته قد انضم إلى أسباب إحصاره أيضا، الضعف الذي لعله لا يستطيع معه السفر، فهل منعه من الزواج أنه غير مستطيع المهر والنفقة؟ إنه يتحدث عن الحج والعجز مرة أخرى في قوله:

ولم أقض حجا في منى وبلادها

وكم عاجز قد زارها متنفلا

2: 168

فقد تكون في هذا القول إشارة ما إلى عجزه عن الحج. وجملة هذه تلفت النظر - في غير بعد - إلى أن الشيخ قد عجز عن الحج والزواج أو أحصر عنهما كما يقول ما دام يجمع بينهما هذا الجمع أكثر من مرة، وهي نتيجة لا بعد فيها، ومقدماتها تعطيها من قرب، فبقي أن نعرف سبب إحصاره عن الحج والزواج؟ أهو المال وعدم وجدانه؟ أم هو شيء آخر؟ وهل سبب الإحصار واحد فيهما؟ لقد كان العجز المالي سببا واضحا في الحج؛ لأنه رحلة ونقلة تتطلب نوعا من القدرة، وتلزم بمزيد من المال لا يمكن معه قضاء الأمور - كما في الإقامة - بما يتيسر. ولكن العجز المالي في الزواج ربما لا يظهر سببا للإحصار لما قدمنا من أن أبا العلاء كان يعيش مع تابع ولا بد، فلو كان هذا التابع فتاة، أو امرأة كيفما كانت لم يزد عليه بذلك شيء من المال. بل لعل أبا العلاء كان يجد فيها معونة على المعيشة بدخله اليسير، لا يجدها بدونها مع الخادم الرجل. ولم يكن يعجزه أن يجد كريمة فقيرة تشاركه هذه الحياة الخفيفة الحاجات المحدودة المقدرة. ومن ذلك وما إليه نستطيع الاطمئنان إلى أن العجز المالي ليس سببا قويا للإحصار عن الزواج، ومن الدقة أن نمضي في التماس سبب آخر. وقد وجدنا في الحج سببين للعجز، هما المال، ثم ضعفه إلى حد ما. وقد بعد - إلى حد ما كذلك - أن المال من أسباب العجز عن الزواج، فبقي أن هناك سببا آخر، فهل هو ضعف عن الزواج؟ وهل في المسألة اعتبار جسمي جنسي له دخله في هذا التصرف؟ لا بعد في أن يكون ذلك، وواجب البحث يقضي علينا بالمضي في اختبار هذا الفرض.

وفن أبي العلاء هو دائما مادة هذا الاختبار وأداته؛ لأنه فن دقيق صريح صادق عميق. وعند هذا الاختبار نجد في أدب صاحبنا ذكر سر أو أسرار في حياته ، قد تكون أسرار الكون والمعرفة أحيانا كما يحتمل من قرب أن تكون أسرارا من غير هذا الصنف، ومن حديثه في الأسرار التي لا يبدو أنها أسرار الكون وخفايا الحقائق، مثل قوله:

ولدي سر ليس يمكن ذكره

يخفى على البصراء وهو نهار

1: 275

Unknown page