15

Rawdat al-Hukkam wa Zinat al-Ahkam

روضة الحكام وزينة الأحكام

Investigator

محمد بن أحمد بن حاسر السهلي

Publisher

رسالة دكتورة، جامعة أم القرى

Publication Year

1419 AH

Publisher Location

مكة المكرمة

المبحث الأول: في الحالة السياسية:

لقد ورثت الدولة العباسية عن سالفتها الدولة الأموية، دولة شاسعة المساحات، بعيدة المسافات، مترامية الأطراف، كثيرة الأقطار، عامرة الأمصار.

وكانت منذُ فجر قيامها سنة (١٣٢هـ) قوية الأركان شامخة البنيان، نافذة السلطان، مهابة الجانب، قائمة بنفسها على مصالح رعاياها، ساهرة العين على أمن بلادها، وتدبير شؤون سياستها الخارجية، وتصريف أمورها الداخلية.

وكانت الخلافة العباسية مقربة للفرس في بداية حكمها، ومكنتهم من "قيادة الجيش، والمناصب الإدارية الكبرى في الدولة، كالوزارة، والكتابة، والولاية على البلدان ومع هذا امتاز العصر العباسي الأول بقوة الخلافة، وتركيز السلطة العليا بيد الخلفاء الذين كانوا يتمتعون بشخصيات قوية، وقدرات سياسية، وإدارية مكنتهم من المحافظة على وحدة الدولة، وكبح جماح العناصر المتطلعة إلى النفوذ من الموالي، وكان أفراد الجيش عوناً للخلافة، وأداة طيعة في يد الخلفاء"(١).

وبقيت على هذا الوضع، حتى أدخل العنصر التركي في صفوف جنودها ومن حينها "استبد هؤلاء الجند بما عرفوا به من جفاء، وغلظة، فتدخلوا في تعيين الخلفاء، والوزراء، والكتاب واعتدوا على بعضهم، وقتلوا عدداً منهم، وتدخلوا في مرافق الدولة المختلفة"(٢).

ومن هنا دب الوهن في جسم دولة الإسلام، وأخذ الضعف يزداد شيئاً فشيئاً، حتى سقطت بغداد على أيدي التتار سنة (٦٥٦هـ)، وبهذا تكون مدة حكم الدولة العباسية (٥٢٤ سنة)، وهذه المدة تقدر بأكثر من ثلث الفترة الزمنية التي عاشها الإسلام على وجه الأرض، منذُ هجرة المصطفى ﷺ من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، إلى يومنا هذا.

وبما أن القرن الخامس هو القرن الذي عاش فيه القاضي شريح بن عبد الكريم الروياني وكان أحد قضاته، وهو جزء من تلك الحقبة الزمنية، التي حكمتها الدولة

(١) العالم الإسلامي في العصر العباسي ٧٤ - ٧٥، وانظر: نفوذ السلاجقة السياسي في الدولة العباسية/١٤.

(٢) الدولة البويهية والخلافة العباسية/٥.

13