بسم الله الرحمن الرحيم والاعتصام بالعزيز العليم الحمد لله رب العالمين حمدا ينبغي لكرم وجهه، ويليق بعز جلاله زنة عرشه، وعدد علمه، ومداد (1) كلماته، وملء (2) أطباق ملكوته.

Page 21

والصلاة السامة التامة على خيرته من خليقته محمد أكرم المصطفين من بريته، وأوصيائه الطاهرين حملة العلم، وخزنة الوحي من الأصفين، من خاصته الأزكين من عترته.

وبعد: فإن أحوج المربوبين وأفقر المفتاقين إلى رحمة ربه الحميد الغني محمد بن محمد يدعى " باقر الداماد الحسيني " - ختم الله له في نشأتيه بالحسنى، وسقاه في المصير إليه من كأس المقربين ممن له لديه لزلفى، وجعل خير يوميه غده، ولا أوهن من الاعتصام بحبل فضله العظيم يده - يملي على قلوب العقول، ويتلو على أسماع الألباب أن من المنصرح في مصاره، (1) المقتر في مقاره أن المعجزة القولية في العقول الصريحة أوقع، والخواص من العقلاء المراجيح (2) لها أطوع.

والقرآن الحكيم من التنزيل الكريم - مع كونه أفضل المعجزات وأجملها، وأعظم الآيات وأجزلها - لبقائه من دونها أدوم البقاء مدى الأبد، وثباته أقصى الثبات بلا أمد، فهو بما أنه من حقائق الحكم، ودقائق البلاغة، وراء ما يتناهى، بل ما لا يتناهى بما لا يتناهى أبلغ ناطق وأصدق شاهد لنفسه بنبالة الأمر، وجلالة القدر؛ إذ ما من معجزة فعلية أتى بها الأقدمون من الأنبياء، والأولون من المرسلين إلا وإذا دقق المتبصر (3) التأمل، ولطف التدبر، صادف بعقله فيما قبلنا من جنسها في أفاعيل الله تعالى وصنائعه ما هو آنق (4) وأعجب وأحكم وأتقن.

وأما هو (5) فلا صودف ولن يصادف - فيما تناله عقولنا، وتبلغه أوهامنا - من

Page 22

جنسه ما يضاهيه أو يدانيه، وكلما ازدادت أرواع أولي الأحلام في أفانين مدارجه بصيرة، ازداد ما عداه - مما يشاركه في جنسه - عنه بعدا وسقوطا ونأيا وهبوطا.

وكذلك فيما ورد عن سادتنا الطاهرين أمناء سر الله، وتراجمة وحيه، وسفراء (1) غيبه، وألسنة أمره ونهيه - صلوات الله وتسليماته على أرواحهم القادسة، وأجسادهم الطاهرة - في دقائق الحكمة، وحقائق التوحيد، ولا سيما ما سبيله ذلك عن باب الله الصافق، وكتابه الناطق، أمين الرحمن، وشريك القرآن، الذي مثابته من العقلاء والأصفياء مثابة الأحداق من الرؤوس، ونسبته إلى العلماء والحكماء نسبة المعقول إلى المحسوس، أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، باب أبواب المقاصد والمطالب، أبي السبطين علي بن أبي طالب - عليه من الصلوات نواميها، ومن التسليمات أناميها - في خطبه وأثنيته وأحاديثه وأدعيته على أساليب وحيانية، وموازين فرقانية، في بلاغة تحار فيها الأفهام، وبراعة تدهش منها الأحلام، ألمع المعجزات وأبهر الدلائل على الرسالة والسفارة، وأسطع الحجج وأنور البراهين على الوصاية والوراثة؛ لما فيها من غامضات العلوم، ومحارات (2) العلماء، وأمهات الحكمة، واصطلاحات الحكماء، مع أنهم (عليهم السلام) لم يختلفوا إلى محتشد أريب، ولا احتشدوا في محتفل الأخذ عن أديب، ولا كانت العلوم في عصرهم مدونة، ولا كتب الحكمة في زمنهم مترجمة. (3)

Page 23

أولئك آبائي فجئني بمثلهم * إذا جمعتنا يا جرير! المجامع (1) وإن كتاب الكافي لشيخ الدين، وأمين الإسلام، نبيه الفرقة، ووجيه الطائفة، رئيس المحدثين، حجة الفقه والعلم والحق واليقين، أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني - رفع الله درجته في الصديقين، وألحقه بنبيه وأئمته الطاهرين - قد حوى من ذلك طسقا (2) وافيا، وقسطا كافيا، ولم يكن يتهيأ لأحد من الفقهاء والعلماء والعقلاء والحكماء من عصر تصنيفه إلى زمننا هذا - والمدة سبعمائة سنة - أن يتعاطى حل غوامضه، وشرح مغامضه، ويتفرغ لتفسير مبهماته، وتحرير مهيماته مع ما ترى الأفئدة في الأدوار والأعصار هاوية إليه، والأكباد في الأقطار والأمصار هائمة عليه؛ إذ كان دخول ذلك في منة (3) الميسرة، وقوة المقدرة محوجا إلى أن يكون المرء في جوهر نفسه بحسب فطرته الأولى المفطورة مطبوعا على قريحة سماوية، وفطرة ملكوتية، وغريزة عقلانية، وجبلة قدسانية.

ثم إذا هو في فطرته الثانية - المكسوبة من كل علم من العلوم العقلية والنقلية والحكمية والشرعية الأصلية والفرعية على النصاب الأتم، والنصيب الأوفر - ذا تدبر وميض، وتتبع عريض، غزير المراجعات، كثير المباحثات، قد راجع وروجع، وناظر ونوظر دهرا صالحا، وأمدا طويلا، مجتهدا في إبلاغ قوتيه العاقلة والعاملة ميقاتهما من الكمال، وإسباغ شطريه النظري والعملي في كفتي ميزان الاستكمال، ومع تيك وتيك وذا وذا، ذا خلوات وخلسات (4) في مجاهدات قلبية، ومراصدات

Page 24

قدسية، دعاء، أواها، مدماعا، مضراعا، لحقوق بارئه مذكارا، ومن ذكر ربه والتبتل إليه والتولع بأسمائه الحسنى مكثارا، في رحمة الله طموعا، وبالولوع (1) بقرب الحبيب ولوعا، بمجامع أشواقه في سبيل العرفان شعوفا، وبشراشره وأرواقه على سدة الإخلاص عكوفا، وقلما يتفق سماح الزمان للمرء باستجماع ذلك، ويعز ويندر أن يكون الرجل ميسرا لسلوك تلك المسالك.

وإذ ربي العظيم - عز مجده، وجل سلطانه - قد خصني بفضله، وحفني بطوله، ففوق فيوض تلك السحب المطيرة، والمنن الكبيرة، وموض تلك الأضواء البارقة، والأنوار الشارقة يسرني لشرح صدر الحكمة، وطبخ نيها، ولم شعث المعرفة، ودفاع شر العي عنها.

وظن المتعطشون - المتولعون، أولو أكباد ظامئة، وأدماع حامئة، وذووا مهج من اللوعة في وامئة، (2) وقلوب بين يدي الالتياع جاثية، وهم عصابة جمة، وعصبة كالحمة، (3) قد جمعتهم الصحابة الروعية، والقرابة المعنوية - أن بغيتهم المبتغاة، وأمنيتهم المتوخاة مرتبة أنا ابن بجدتها، (4) وعامر بلدتها، وحامل لوائها، وعامل

Page 25