93

Rasail

رسائل الجاحظ: وهي رسائل منتقاة من كتب للجاحظ لم تنشر قبل الآن

Genres

كساك هشام بن الوليد ثيابه

فأبل وأخلق مثلها جددا بعد

قال أبو عثمان: فإن قالت أمية: لنا الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، أربعة خلفاء في نسق، قلنا لهم: ولبني هاشم: هارون الواثق بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد الكامل بن علي السجاد - كان يصلي كل يوم وليلة ألف ركعة فكان يقال له السجاد لعبادته وفضله، وكان أجمل قرشي على وجه الأرض وأوسمه، ولد ليلة قتل علي بن أبي طالب فسمي باسمه وكني بكنيته، فقال عبد الملك: لا والله لا أحتمل لك الاسم والكنية فغير أحدهما. فغير الكنية فصيرها أبا محمد - ابن عبد الله وهو البحر وهو حبر قريش وهو المفقه في الدين المعلم التأويل، ابن العباس ذي الرأي وحليم قريش، ابن شيبة الحمد وهو عبد المطلب سيد الوادي، ابن عمرو وهو هاشم هشم الثريد وهو القمر سمي بذلك لجماله ولأنهم كانوا يقتدون به ويهتدون برأيه، ابن المغيرة وهو عبد مناف بن زيد وهو قصي وهو مجمع. فهؤلاء ثلاثة عشر سيدا لم يخرم منهم واحد ولا قصر عن الغاية، وليس منهم واحد إلا وهو ملقب بلقب اشتق له من فعله الكريم، ومن خلقه الجميل، وليس منهم إلا خليفة أو موضع للخلافة أو سيد في قديم الدهر متبع أو ناسك مقدم أو فقيه بارع أو حليم ظاهر الركانة. وليس هذا لأحد سواهم. ومنهم خمسة خلفاء في نسق، وهم أكثر مما عدته الأموية. ولم يكن مروان كالمنصور؛ لأن المنصور ملك البلاد ودوخ الأقطار وضبط الأطراف اثنتين وعشرين سنة، وكانت خلافة مروان على خلاف ذلك كله وإنما بقي في الخلافة تسعة أشهر حتى قتلته امرأته عاتكة بنت يزيد بن معاوية حين قال لابنها خالد من بعلها الأول: يا ابن الرطبة. ولئن كان مروان مستوجبا لاسم الخلافة مع قلة الأيام وكثرة الاختلاف واضطراب البلدان فضلا عن الأطراف، فابن الزبير أولى بذلك منه؛ فقد كان ملك الأرض إلا بعض الأردن. ولكن سلطان عبد الملك وأولاده لما اتصل بسلطان مروان اتصل عند القوم ما انقطع منه وأخفي موضع الوهن عند من لا علم له. وسنو المهدي كانت سني سلامة، وما زال ملك عبد الملك في انتقاض وانتكات، ولم يكن ملك يزيد كملك هارون، ولا ملك الوليد كملك المعتصم.

قال أبو عثمان: وتفخر عليهم بنو هاشم بأن سني ملكهم أكثر ومدته أطول، فإنه قد بلغت مدة ملكهم إلى اليوم أربعا وتسعين سنة. ويفخرون أيضا عليهم بأنهم ملكوا بالميراث وبحق العصبة والعمومة، وأن ملكهم في مغرس نبوة، وأن أسبابهم غير أسباب بني مروان، بل ليس لبني مروان فيها سبب ولا بينهم وبينها نسب، إلا أن يقولوا إنا من قريش، فيساووا في هذا الاسم قريش الظواهر؛ لأن رواية الراوي: «الأئمة من قريش.» واقعة على كل قريش. وأسباب الخلافة معروفة وما يدعيه كل جيل معلوم، وإلى كل ذلك قد ذهب الناس؛ فمنهم من ادعاه لعلي لاجتماع القرابة والسابقة والوصية، فإن كان الأمر كذلك فليس لآل أبي سفيان ولا لآل مروان فيها دعوى، وإن كانت إنما تنال بالوراثة وتستحق بالعمومة وتستوجب بحق العصبة فليس لهم أيضا فيها دعوى، وإن كانت لا تنال إلا بالسوابق والأعمال والجهاد فليس لهم في ذلك قدم مذكور ولا يوم مشهور، بل كانوا إذ لم يكن لهم سابقة ولم يكن فيهم ما يستحقون به الخلافة ولم يكن فيهم ما يمنعهم منها أشد المنع لكان أهون ولكان الأمر عليهم أيسر. قد عرفنا كيف كان أبو سفيان في عداوة النبي

صلى الله عليه وسلم

وفي محاربته له وإجلابه عليه وغزوه إياه، وعرفنا إسلامه كيف أسلم وإخلاصه كيف أخلص، ومعنى كلمته يوم الفتح حين رأى الجنود وكلامه يوم حنين وقوله يوم صعد بلال على الكعبة فأذن، على أنه إنما أسلم على يدي العباس، والعباس هو الذي منع الناس من قتله وجاء به رديفا إلى رسول الله

صلى الله عليه وسلم

وسأله فيه أن يشرفه وأن يكرمه وينوه به. وتلك يد بيضاء ونعمة غراء ومقام مشهود، ويوم حنين غير مجحود. فكان جزاء بني هاشم من بنيه أن حاربوا عليا، وسموا الحسن وقتلوا الحسين، وحملوا النساء على الأقتاب حواسر، وكشفوا عن عورة علي بن الحسين حين أشكل عليهم بلوغه كما يصنع بذراري المشركين إذا دخلت دورهم عنوة. وبعث معاوية بسر بن أرطاة إلى اليمن فقتل ابني عبيد الله بن العباس وهما غلامان لم يبلغا الحلم، وقتل عبيد الله بن زياد يوم الطف تسعة من صلب علي وسبعة من صلب عقيل؛ ولذلك قال ناعيهم:

عين جودي بعبرة وعويل

واندبي إن ندبت آل الرسول

Unknown page