أجل، كانوا قد اضطهدوا أحيانا، وذلك كما يحدث لو ظهر رجل ونادى بعبادة إله على وجه يخالف العبادة المتبعة. ولم يحكم على سقراط لأنه قال: «لا يوجد غير إله واحد» بل لأنه عارض عبادة البلد الخارجية، ولأنه خلق لنفسه أعداء أشداء في وقت غير مناسب جدا. وأما اليهود فقد مقتوا، لا لأنهم كانوا لا يؤمنون بغير إله واحد؛ بل لأنهم كانوا يمقتون الأمم الأخرى مقت سخرية، ولأنهم كانوا برابرة يقتلون أعداءهم المغلوبين بلا رحمة، ولأن هذا الشعب اللئيم الخرافي الجاهل العاطل من المهن والتجارة كان يزدري أكثر الأمم تهذيبا. وأما النصارى فقد أبغضهم الوثنيون؛ لأنهم كانوا يهدفون إلى هدم الدين والإمبراطورية اللذين غلبوهما في آخر الأمر وهم في هذا كالبروتستان الذين غدوا سادة بلاد مقتوا فيها واضطهدوا وذبحوا زمنا طويلا. (30)
وعيوب مونتن كبيرة، فهو زاخر بالألفاظ البذيئة، ولا قيمة لهذا، وما يساوره من مشاعر حول القاتل القاصد، وحول الإعدام، فظيع.
يتكلم مونتن مثل فيلسوف لا مثل نصراني، وهو يقول ما للقتل قصدا وما عليه. ونسأل من الناحية الفلسفية: أي سوء يصيب به المجتمع رجل يتركه بعد أن عاد غير قادر على خدمته؟ إذا ما ظهر شائب مصاب بالحصاة، وكان يعاني آلاما لا تطاق، قيل له: «إذا لم تبضع مت، وإذا ما بضعت أمكن أن تهذي وتريل
1
وتسقم عاما، فتكون عبئا على نفسك وعلى غيرك». فأفترض أن هذا الرجل الطيب القلب يزمع إذ ذاك، ألا يعود عبئا على أحد، وهذه هي الحال التي يعرضها مونتن. (31)
ما عدد النجوم التي اكتشفتها النظارات بعد أن كانت مجهولة لدى فلاسفتنا في غابر الأزمان؟ كان يحمل على الكتاب المقدس لوجود عدد كبير من الكواكب في مواضع كثيرة منه، وكان يقال إنه لا يوجد منها غير 1022، ونعرف هذا.
من الثابت أن الكتاب المقدس، في موضوع الفزياء، تساوق والأفكار الدارجة دائما، ومن ذلك افترض سكون الأرض وأن الشمس تسير، إلخ. ولم ينشأ قوله إن الكواكب تفوق الحصر عن تدقيق فلكي، بل عن مطابقة للآراء العامية، والواقع أن عيوننا - وإن كانت لا تكتشف من الكواكب غير 1022 تقريبا - تبهر حينما تنظر إلى السماء محدقة، فتعتقد أنها ترى من النجوم ما لا يحصيه عد؛ ولذا فإن الكتاب المقدس يخاطبنا وفق هذا المبتسر
2
العامي، وذلك أننا لم نعطه ليصنع منا علماء فزياء، كما أن من الواضح جدا أن الرب لم يوح إلى حبفوق وباروك وميخا بأن الإنكليزي فلمستد سيضع في جدوله أكثر من سبعة آلاف نجم شاهدها بالمرقب. (32)
وهل من الشجاعة أن يذهب إنسان ضعيف محتضر؛ ليجبه إلها قادرا أزليا؟
Unknown page