والعجب عندي من قوم نحلتهم الإسلام، ونبيهم محمد
صلى الله عليه وسلم
تتابعت الأخبار عنه بشيء أمر به أو نهى عنه، فيعارضون ذلك بالعيب والطعن من غير أن يعرفوا العلة، ولا أن يكون لهم في الإنكار له نفع، أو عليهم في الإقرار به ضرر.
وأما أكلهم باليارحين والسكين فمفسد للطعام ناقص للذته، والناس يعلمون - إلا من عاند منهم. وقال بخلاف ما تعرفه نفسه - أن أطيب المأكول، ما باشرته كف آكله؛ ولذلك خلقت الكف للبطش، والتناول . والتقذر من اليد المطهرة ضعف وعجب. وأولى بالتقذر من اليد الريق والبلغم والنخام الذي لا يسوغ الطعام إلا به، وكف الطباخ والخباز تباشره، والإنسان ربما كان منه أقل تقذرا وأشد أنسا.
وأما الشجاعة؛ فإن العرب في الجاهلية أعز الأمم أنفسا، وأعزها حريما وأحماها أنوفا وأخشنها جانبا. وكانت تغير في جنبات فارس، وتطرقها حتى تحتاج الملوك إلى مداراتها وأخذ الرهن منها، والعجم تفخر بأساورة فارس ومرازبتها، وقد كان لعمري لهم البأس والنجدة، غير أن بين العرب وبينها في ذلك فرقا منه: أن العجم كانت أكثر أموالا وأجود سلاحا وأحصن بيتا وأشد اجتماعا. وكانت تحارب برياسة ملك وسياسة سلطان، وهذه أمور تقوي المنة، وتشد الأركان وتؤيد القلوب، وتثبت الأقدام، والعرب يومئذ منقطعة ليس لها نظام، ومتفرقة ليس لها التئام، وأكثرها يحارب راجلا بالسيف الكليل والرمح الذليل، والفارس منها يحارب على الفرس العربي الذي لا سرج له، وعلى السرج الرث الذي لا ركاب له، والأغلب على قتال العجم الرمي، والأغلب على قتال العرب السيف والرمح، وهما أدخل في الجد وأبعد من الفرار، وأدل على الصبر.
وشجعاؤهم في الجاهلية، مثل: عتيبة بن الحارث بن شهاب صياد الفوارس، وبسطام بن قيس، وبجير وعفاف ابني أبي مليل، وعامر بن الطفيل، وعمرو بن ود وأشباههم، وفي الإسلام مثل: الزبير وعلي وطلحة ورجال من الأنصار، وعبد الله بن حازم السلمي، وعباد بن الحصين. وقال: ما ظننت أن أحدا يعدل بألف فارس، حتى رأيت عبادا ليلة كابل وقطري بن الفجاءة وشبيبا الحروري، وأمثال هؤلاء عدد الرمل والحصى ليس منهم أحد، إذا أنت توقفت على أخباره وحاله في شجاعته، إلا وجدته فوق كل أسوار والرجليون للعرب خاصة.
قال أبو عبيدة: رجليو العرب المشهورون: المنتشر بن وهب الباهلي، وسليك بن عمير السعدي، وأوفى بن مطر المازني. وكان الرجل منهم يلحق بالظبي، حتى يأخذ بقرنيه، وإذا كان زمان الربيع جعلوا الماء في بيض نعام مثقوب ثم دفنوه، فإذا كان الصيف وانقطع الغزو غزوا، وهم أهدى من القطا، فيأتون على ذلك البيض، ويستثيرونه ويشربونه.
وحدثني أبو حاتم قال: حدثني الأصمعي أن السليك كان يعدو فتقع سهامه من كنانته بالأرض فترتز. وكان يقول في دعائه: «اللهم إني أعوذ بك من الخيبة، وأما الهيبة فلا هيبة.»
وقرأت في كتب العجم أن «بهرام جور» كان في حجر ملك العرب بالبادية، فلما بلغه هلاك أبيه، وأن الفرس عزموا على أن يملكوا غيره سار بالعرب، حتى نزل السواد وطالبهم بالملك وجادلهم عنه، حتى اعترفوا له بالحق وملكوه.
وقد كان كسرى أغزى بني شيبان جيشا، فاقتتلوا بذي قار، فهزمت بنو شيبان أساورة كسرى، فهو يوم ذي قار، ثم كان من أمر العرب وأمر فارس، حين جمعهم الله لقتالهم بالإمام، وساسهم بالتدبير ما لا حاجة بنا إلى الإطالة بذكره لشهرته.
Unknown page