222

Rasail Bulagha

رسائل البلغاء

Genres

لولا اشتعال النار فيما جاورت

ما كان يعرف طيب عرف العود

ولم أر في هذه الشعوبية أرسخ عداوة ولا أشد نصبا للعرب من السفلة والحشوة وأوباش النبط وأبناء أكرة القرى، فأما أشراف العجم وذوو الأخطار منهم وأهل الديانة فيعرفون ما لهم وما عليهم، ويرون الشرف نسبا ثابتا.

وقال رجل منهم لرجل من العرب: إن الشرف نسيب، والشريف من كل قوم نسب الشريف من كل قوم، وإنما لهجت السفلة منهم بذم العرب؛ لأن منهم قوما تحلوا بحلية الأدب فجالسوا الأشراف، وقوما اتسموا بميسم الكتابة، فقربوا من السلطان، فدخلتهم الأنفة لآدابهم والغضاضة لأقدارهم من لؤم مغارسهم، وخبث عناصرهم، فمنهم من ألحق نفسه بأشراف العجم، واعتزى إلى ملوكهم وأساورتهم ودخل في باب فسيح لا حجاب عليه، ونسب واسع لا مدافع عنه، ومنهم من أقام على خساسة ينافح عن لؤمه ويدعي الشرف للعجم كلها؛ ليكون من ذوي الشرف، ويظهر بغض العرب، ينتقصها ويستفرغ مجهوده في مشاتمها، وإظهار مثالبها، وتحريف الكلم في مناقبها، وبلسانها نطق وبهممها أنف وبآدابها تسلح عليها؛ فإن هو عرف خيرا ستره، وإن ظهر حقره، وإن احتمل التأويلات صرفه إلى أقبحها، وإن سمع سوءا نشره، وإن لم يسمعه نفر عنه، وإن لم يجده تخرصه، فهو كما قال القائل:

إن يعلموا الخير يخفوه وإن علموا

شرا أذيع وإن لم يعلموا بهتوا

ومن ذا - رحمك الله - صفا فلم يكن له عيب، وخلص فلم يكن فيه شوب.

وقيل لبعض الحكماء: هل من أحد ليس فيه عيب؟! فقال: لا لأن الذي ليس فيه عيب هو الذي لا يموت، وعائب الناس يعيبهم بفضل عيبه، وينتقصهم بحسب نقصه، ويذيع عوراتهم ليكونوا شركاءه في عورته، ولا شيء أحب للفاسق من زلة العالم، ولا إلى الخامل من عثرة الشريف، قال الشاعر:

ويأخذ عيب الناس من عيب نفسه

مراد لعمري إن أردت قريب

Unknown page