ويقول في بيت آخر من قصيدة أخرى يمدح بها، والبيت لا يتعلق بشيء مما قبله - فيما يظهر - ولا فيما بعده بشيء:
كأنك ما جاودت من بان جوده
عليك ولا قاومت من لم تقاوم
ومثل هذا كثير، وهذه الأجناس من أبيات، وإن ظهرت معانيها بعد استقصاء، وأطاعت غوامضها بعد استعصاء، فهي مذمومة السلك وإن اطلعت منها على أجزل الإفادة، فكيف إذا حصلت منها على السلامة بلا زيادة؟! وكان أيضا يغفل عن إصلاح أشياء من كلامه على قرب ذلك الإصلاح من الفهم، مثل قوله يرثي أخت سيف الدولة:
يا أخت خير أخ يا بنت خير أب
كناية بهما عن أشرف النسب
فجعل يا أخت خير، وبنت خير كناية عن أشرف النسب، والكناية لا تكون إلا لعلل تتسع فيها التهم؛ لأن الكناية ستر وتعمية، فما بال شرف النسب يورى عنه تورية المعايب، ويكنى عنه والتصريح به من المفاخر والمناقب، وقد غفل عن إصلاح هذا بلفظ فصيح ومعنى صحيح، قد كاد يبرز زمن الجنان، إلى طرف اللسان، وهو لو فطن إليه:
يا أخت خير أخ يا بنت خير أب
غنى بهذا وذا عن أشرف النسب
قال أبو الريان: هذه الجملة التي أثبت لك فيها ما دخل على الشعراء المجيدين من التقصير والغفلة والغلط، وغير ذلك؛ كافية ومغنية عن إيراد سوى ذلك، وإن لقيتها بجودة بحث وصحة قياس، لم تحتج إلى كشف عيوب أشعار الناس، ولعل قائلا يقول: مال على هؤلاء وترك سواهم لميله على من بكت، ولتفضيله من عنه سكت، فقل لمن قال ذلك ، الأمر على خلاف ما ظننت لم أذكر إلا الأفضل فالأفضل، والأشهر فالأشهر، إذا كانت أشعارهم هي المروية، فالحجة بهم وعليهم هي القوية، فقد نقلته على من ميلي عليهم، إلى ميلي بالحق إليهم.
Unknown page