باندو.
باندو.
باندو شواتينق.
كانت فلوباندو تحكي له عن الأحداث التي مضى عليها قرابة العقدين كأنها حدثت بالأمس، بصوتها سخونة الطهو، وبأنفاسها أبخرته، وفي مخيلتها الأحداث تنضج الآن، قالت له يريدها أن تتحدث عن سنيلا، برصائي الفاتنة، سنيلا، قالت: القرية كلها كانت هنالك، المحاربون يمتشقون آلياتهم، الكواكيرو على ظهر حمار وحشه القوي، هنالك أعيان كثر، آباء، أمهات، أطفال، كلاب وأطيار.
هل أنت على قيد الحياة؟
عندما أخذت مسز جين في خلع ملابسي الجميلة البيضاء التي بدت ناصعة ومبتهجة في ذلك الصباح، حزنت وأحسست بموت الدهشة باردا في، قاومت، فعلا بدأت في الصراخ لولا أنها أسعفتني بثوب آخر جديد، أجمل ثوب في الدنيا كلها مرسومة عليه ورود، به ألوان جميلة متنوعة، عليه أيضا عصافير ذات أرياش زاهية رقيقة، وبه شجر وسماء وبه سحر غريب، عرفت فيما بعد أن مستر جين قضى ليله كله في حياكته وإعداده من أجلي. حينما خرجت وأنا في ذلك الثوب إلى قومي وعشيرتي، مسز جين ترتدي طبقه، حتى صرخت العشيرة كلها بنفس واحد: نبتاتا، تلو تلو، يا سيد الغابة!
تعجبا، دهشة، انفعالا، بدلا من البحث عن بقايا عظامي وترتيب الأمر والأخذ بثأري من آل جين، ها هم يشتعلون فخرا واعتزازا، ها هي أمي تجري نحوي بعد أن ألقت بالفأس على الأرض، تضمني على صدرها وهي تشم ثيابي وتضحك في ابتهاج، تتمتم: وآآآآآنا برم بجيل وآ آنا سيسي.
محوطة إياي من العين الساحرة، القلب الحاسد، النفس الحارق، سادة الظلام، من دون أية اتفاق سابق أو تفكير أسماني أهلي منذ ذلك اليوم «فلوباندو»، حيث كان اسمي «باندو»، يعني المطر، وهو اسم جدتي التي ولدت ذات خريف تاريخي، ولو أن ميلادي أنا في سنة عادية بل جافة بعض الشيء، إلا أن جدتي جاءت في النوم لأبي وطلبت منه أن أسمى عليها «باندو»، وبإضافة كلمة «فلو» هذه أصبح اسمي ما يمكن ترجمته ب «زهور المطر الكثيرة».
سلم علي يدا بيد كل أطفال القرية، أصدقاء العري القديم، ضمتني إلى صدورهن الأمهات والجدات، حياني باحترام وإعجاب المحاربون الأكارم، أجلسني على بغلته الكواكيرو، همس في أذني: تعلمي ابنتي كلامهم، في كلام البرص سر تقدمهم، تعلمي كلامهم يا فلوباندو.
وهم يودعون قالت لي امرأة صديقة لأمي عجوز: إذا أحسست أنهم بصدد أن يأكلوك فما عليك إلا الهرب، إنهم طيبون، إنهم طيبون.
Unknown page