أنا أعرف كل شيء عنهما، أريدك أنت أن تعرف ما أعرف، وأنت فقط تهتم بسنيلا تلك البرصاء، لكن في هذا الدغل ما هو أهم منها.
أول ذلك مسز ومستر جين.
أول ذلك الكواكيرو.
أول ذلك «لالا»، «فترا»، «سارا»، «شاري».
أول ذلك الدغل نفسه.
أصبحت حكاية الأبرصين هما يوميا لنا، عندما رأيناها أول مرة كانت بيضاء وشاحبة كأنها حجر طباشير، ليست بها قطرة دم، جسدها صغير هزيل، ولو أن عمري لم يتجاوز الثامنة إلا أنني كنت أفوقها حجما وعافية، كنا نسمعها تسعل بين الفينة والأخرى، عندما تخرج إلينا نهرب نحن بدورنا نحتمي بالقش والشجيرات، كانت تبتسم لنا تلك الابتسامة الهزيلة التي عرفت بها فيما بعد. ذات خروج أشارت لنا أن نقترب منها، فرطن لنا الكبار محذرين أن نفعل، لكنها كانت تصر على ذلك، أحسست في عمق نفسي أنها كانت تطلبني أنا بالذات، لم لا أذهب إليها؟ إنها تحتاجني، فلم لا؟ وأمام دهشة الجميع تقدمت نحوها.
تدور، تندوم، تررم!
لكني ذهبت، في الحق لا أدري هل هي التي أتت إلي أم أنا التي ذهبت إليها، المهم وجدت نفسي في حضنها، كان حضنها دافئا مثله مثل حضن أمي، إذا تهامسنا به في شأن رائحتها، محض افتراء، ليست بجسدها رائحة الثعبان، ولا حتى شمام عرق الكلب، بل العكس كانت تفوح منها رائحة الياسمين البري بعد هطول أوائل أمطار الشتاء، فقط كلامها يشبه نباح السمع مرة، وأخرى يبدو كأنه زقزقة الطيور، وهو نتاج لعدم معرفة البرص للكلام مثلنا. أجلستني قربها، كنت ثقيلة على رجليها الهشتين، بأناملها البيضاء الناعمة تتخلل شعري، أسمع خشخشة شعري الجاف محتدما بأظافرها، يبدو أنها تستلذ فك انكماشاته، كلمتني كلاما فهمته ولو أنني لا أعرف رطانتها، كانت تقول لي: ابقي معنا في هذا المنزل.
قلت لها: سأبقى.
لم أعد للمنزل، في ذلك الحين كانت بأسرتنا مشاكل خطيرة أساسها انشغال أبي وانسحاره بواسطة تيري زوجته العجيبة التي تسببت في اختفائه إلى الآن، أمي مشغولة أيضا بشأن تيري وأبي، المهم في الأمر أن لا أحد يهتم بأحد في المنزل.
Unknown page