ولكنه كان دخيلا جامحا، ويميل إلى كل ما هو متطرف.
كانت الطفلة النحيلة، بعدما تقرأ هذه الحكايات وتعيد قراءتها، تشعر بأنها لا تكن حبا ولا كراهية تجاه الموجودين فيها؛ إذ لم يكونوا «شخصيات» يمكنها أن تشغل خيالها الخاص بأفعالهم. وكقارئة، فقد كانت متابعة جادة، وأحيانا منزعجة، وأحيانا أخرى مبتهجة. ولكنها استثنت «لوكي» من ذلك تقريبا. كان وحده بين كل هذه المخلوقات يتمتع بروح الدعابة والذكاء. كانت هيئاته المتغيرة جذابة، وبراعته ساحرة. كان يشعرها بعدم الارتياح، ولكن لديها مشاعر تجاهه، أما الآخرون؛ «أودين» و«ثور» و«بالدور» الجميل، فقد كانوا كما هم؛ هيئاتهم ثابتة لا تتغير، وهم حكماء وأقوياء ويتسمون بالجمال.
شرقا تسكن العجوز في «الغابة الحديدية»،
تربي الذئاب من سلالة «فنرير»،
أحدهم مقدر له، يوما ما،
أن يصبح الوحش الرهيب الذي يدمر القمر.
كانت الغابة الحديدية، «آيرنوود»، تقع خارج جدران «أسجارد»، وخارج مرج «ميدجارد»، وهي مكان مظلم شيطاني، تسكنه كائنات كل منها نصفه حيوان ونصفه الآخر إنسان، أو حتى نصفه إله، ونصفه شيطان. والعجوز التي تشير إليها القصيدة هي «أنكربودا»، جالبة العذاب، وهي عملاقة ذات وجه شرس، وترتدي ثيابا من جلد الذئب وفرائه، ولها مخالب في أيديها وأرجلها، وأسنان حادة. لعب «لوكي» معها، متموجا كاللهب في جسدها وفوقه ، كان يمتعها غصبا، حيث يمسك بها ويعانقها ويهرب منها، ويقتحمها دون أن تتمكن من الإمساك به. كانا يتبادلان الحديث عبر الزمجرة والحفيف. لم تكن «سيجين» لتتعرف على «لوكي» الشرس هذا ولا على عوائه المنتصر وهو يضع بذرة نسله داخل «أنكربودا». هل تنبأ «لوكي» بشكل أطفاله؟ كان أحدهم ذئب جرو، مسلحا بالفعل بمجموعة من الأسنان الحادة يقبع خلفها حلق أسود. وطفلة أخرى هي أفعى مرنة، ذات تاج من قرون الاستشعار اللحمية وأسنان حادة كأسنان أخيها، ولكنها كانت مستدقة كالإبر. كان لونها ذهبيا باهتا مع بريق أحمر قرمزي على قشورها وهي تتمدد وتلتف.
أما الثالثة، فكانت امرأة من العمالقة أو الآلهة. ذات لون أو ألوان غريبة. هيئتها قاسية، ومستقيمة القامة، مع سيقان طويلة، ويدين قويتين متمكنتين، وقدمين ثابتتين. كان وجهها قاسيا؛ إذ لا توجد كلمة أخرى لوصفه. ووجنتاها منحوتتان، وفمها عريض، غير مبتسم، وبداخله أسنان حادة قوية، كأسنان الذئب، لتمزيق أعدائها. وأنفها رفيع، وحاجباها داكنان كالدخان، كالكناية «الأعشاب البحرية للتلال»، التي تستخدم في العالم السفلي للإشارة إلى «الغابة». وفي تجويف العين استقرت عينان داكنتان لا تطرفان، كبرك القطران، أو الآبار التي لا ينعكس الضوء فيها. أما لونها، فقد كانت نصف سوداء، ونصف زرقاء. وقال من رأوها أيضا إن نصفها كان جسدا حيا، والنصف الآخر ميت. وفي بعض الأحيان كان الخط الفاصل بين اللون الأسود واللون الأزرق يقسمها بدقة، ويمتد من أعلى رأسها، مرورا بأنفها الطويل، وذقنها، وعظام صدرها، وعانتها، وصولا إلى الفراغ بين القدمين. ولكن في أحيان أخرى كان اللونان الأسود والأزرق يمتزجان معا. كانا جميلين؛ فقد كان اللون الأزرق مثل آخر خط من زرقة السماء يعانق ظلمة الليل القادمة. وكان لون الكدمات الموجودة على لحمها المهترئ أو الميت بشعا. كانت تنام عارية، منكمشة وملتفة مع أخويها البشعين، بقشورهم، وفرائهم، وخطومهم، وأنيابهم، وجفونهم التي تخفي عيونا حادة غاضبة. وهم يصدرون أصوات فحيح وخرخرة صاخبة. لقد أسعدوا «لوكي». ذلك حيث كان يطعمهم ويشاهدهم وهم يكبرون. ولكن من كان يدري ما قد يفعلونه؟ لقد كبروا، أكثر فأكثر.
جلس «أودين» على عرشه، «هليدسكيالف»، ممسكا بحربته، «جنجنير»، وهو يتفقد «أسجارد» و«ميدجارد» و«يوتنهايم» و«آيرنوود». أخبره غرابان أسودان، وهما «هوجين» (أي الفكر) و«مونين» (أي الذاكرة)، بما رأياه أثناء تحليقهما. فأدار وجهه القاسي نحو «آيرنوود».
كان «لوكي»، في البداية، في الزمن الذي غمرت فيه دماء «يمير» المتدفقة «الفجوة»، أخا «أودين» بالتبني. وقد أقسما بدمائهما على عهد الأخوة، وركبا القارب نفسه وأبحرا فوق هذا الدم. أما الآن فقد فرض «أودين» النظام، بينما ابتسم «لوكي» للفوضى. علمت الآلهة أن الوحوش الثلاثة خطيرة، وأنها ستصبح أكثر خطورة. ومن ثم أرسل «أودين» قوة لجلبهم، تتألف من «هيرمودر» الساطع و«تير» إله الصيد. فعبرا الجسر المشرق «بيفروست»، الذي يربط «أسجارد» بالعوالم الأخرى، وعبرا النهر «إيفينج» حتى وصلا إلى حيث كان «لوكي»، في أرض «الهيرمثرسيين» المظلمة. وقبضا على الوحوش الثلاثة وعادا بهم إلى درجات سلم «هليدسكيالف». فتثاءب الذئب. بينما لفت الأفعى نفسها على شكل عقدة. أما «هيل» فوقفت جامدة، بلونيها الأزرق والأسود، وهي تحدق.
Unknown page