36

Raising Interests and Wisdom in the Legislation of the Prophet of Mercy ﷺ

رعاية المصلحة والحكمة في تشريع نبي الرحمة ﷺ

Publisher

الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

Edition Number

العدد ١١٦،السنة ٣٤

Publication Year

١٤٢٢هم٢٠٠٢م

Genres

قَالَ شمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ١ ﵀: " ... البيع عِلّة للْملك شرعا وَالنِّكَاح عِلّة للْحلّ [أَي: للاستمتاع بِالزَّوْجَةِ] شرعا، وَالْقَتْل الْعمد عِلّة لوُجُوب الْقصاص شرعا، بِاعْتِبَار أَن الشَّرْع جعلهَا مُوجبَة لهَذِهِ الْأَحْكَام". وَقد بَينا أَن الْعِلَل الشَّرْعِيَّة لَا تكون مُوجبَة بذواتها، وَإِنَّمَا الْمُوجب للْحكم هُوَ الله تَعَالَى [أَي لَا الْمصلحَة وَلَا الْحِكْمَة وَلَا الْعلَّة إِذْ لَا مُوجب على الله، بل الله الْمُوجب بِمَا شَاءَ على من شَاءَ، ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ ٢ إِلَّا أَن ذَلِك الْإِيجَاب غيب فِي حَقنا، فَجعل الشَّرْع الْأَسْبَاب الَّتِي يمكننا الْوُقُوف عَلَيْهَا عِلّة لوُجُوب الحكم فِي حَقنا للتيسير علينا، فَأَما فِي حق الشَّارِع فَهَذِهِ الْعِلَل لَا تكون مُوجبَة شَيْئا، وَهُوَ نَظِير الإماتة فَإِن المميت والمحيي هُوَ الله تَعَالَى حَقِيقَة، ثمَّ جعله مُضَافا إِلَى الْقَاتِل بعلة الْقَتْل فِيمَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ من الْأَحْكَام، وَكَذَلِكَ أجزية الْأَعْمَال فَإِن الْمُعْطِي للجزاء هُوَ الله تَعَالَى بفضله، ثمَّ جعل ذَلِك مُضَافا إِلَى عمل الْعَامِل بقوله تَعَالَى: ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ٣ فَهَذَا هُوَ الْمَذْهَب المرضي الْمُتَوَسّط بَين الطَّرِيقَيْنِ لَا كَمَا ذهب إِلَيْهِ الجبرية من إِلْغَاء الْعَمَل أصلا، وَلَا كَمَا ذهب إِلَيْهِ الْقَدَرِيَّة من الْإِضَافَة إِلَى الْعَمَل حَقِيقَة، وَجعل الْعَامِل مستبدا بِعَمَلِهِ"٤. وَنقل الْقُرْطُبِيّ فِي تَفْسِيره٥ - فِي قَضِيَّة أَمر الله تَعَالَى بِتَقْدِيم الصَّدَقَة قبل مُنَاجَاة الرَّسُول ﷺ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ

١ - مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي سهل، فَقِيه أصولي مُجْتَهد حَنَفِيّ (ت ٤٩٠؟) وترجمته فِي الْجَوَاهِر المضيئة ٢/٢٨ ومفتاح السَّعَادَة ٢/١٨٦. ٢ - سُورَة الْأَنْبِيَاء آيَة: ٢٣. ٣ - سُورَة السَّجْدَة آيَة: ١٧. ٤ - أصُول السَّرخسِيّ ٢ / ٣٠٢. ٥ - تَفْسِير الْقُرْطُبِيّ ١٧ / ٣٠١ - ٣٠٢.

1 / 232