أن مات في سادس عشر جمادى الأولى سنة خمس وتسعين. ومن شعره:
وَمَن رَامَ في الدنيا حياة خَلِيَّة ... من الهَمّ والأكْدَار رَامَ مُحَالا.
وهاتيك دعوى قد تركتُ دَليلّها ... على كل أبناء الزمان مُحالا
وله أيضًا:
وإذا المصيبة خيَّمت بك لا تكن ... بقَضَا ربك ضَيِّق الصَّدْرِ
فلعلَّ في طيِّ المصيبة نِعمة ... سِيقَت إليك وأنت لا تَدري
ومما يُحكَى من حُسن سياسته، أنه لما ثار بعض الناس على الشيخ إبراهيم الْجَعَبِريّ، وادعوا عليه بأشياء كان يقولها في أثناء وعظه، وادعى عليها بها، وشهد مَن شهد، وتأخر الحكم بما يجب عليه، لاستيفاء بقية الشروط، أرسل إليه القاضي تقي الدين ليلًا، فحضر إليه جماعة ممن يعتقد صِدقهم. فلما دخل تَلقَّاه وأجلسه، وقال له في جملة ما تكلم معه: قالوا وقلنا وشهدوا وسمعنا، أفما نقول كلنا: أستغفر الله العظيم؟ فقال ابن الجعبري: نعم أستغفر الله العظيم وأتوبُ إليه وأشهد أن لا إليه إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبرئت من كل شيء يخالف دينه، فصافَحه القاضي وتوجَّه، وكان ذلك يعد من جميل تَلَطّف القاضي، بحيث أمكنه الحكم بحقن دمه بهذه الصورة الجميلة.
عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن هاشم زين الدين التَّفَهْنِي، بفتح المثناة والفاء وسكون الهاء، بعدها نون نسبة إلى قرية من أسفل الأرض بالقرب من دمياط.
ولد سنة ثمان وستين، ونشأ يتميًا، فكفله أخوه شمس الدين محمد وكان الأكبر، وهو شافعي المذهب. ثم قدم به القاهرة فنزل في الصَّرْغَتْمشية مع الحنفية، وكان أولًا عريف مكتب الأيتام بها. واشتغل بفقه الحنفية حتى مهر، وحبّب إليه الاشتغال، فقرأ العربية والأصول والمنطق، وكتب الخط الحسن، وفاقَ الأقران.