بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي شرف أولياء بأنواع الكرامة ومتعهم بالنظر إلى وجهه في دار المقامة فهم في روضات الجنات يحبرون ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون قد تركوا زخارف الدنيا ولجأوا من هجيرها إلى ظله فرحين بما آتاهم الله من فضله فهم المميزون عن غيرهم في عالم الرفات ببقاء كراماتهم بعد الممات كما دل على ذلك إطلاق الأئمة الذين هم هداة الأمة والصلاة والسلام على أشرف أنبيائه وأكرم أصفيائه محمد المؤيد بالمعجزات الظاهرة والكرامات الباهرة وعلى

Page 1

آله وأصحابه ذوي النفوس القدسية والأخلاق الأنسية ما سطعت أنواع الكرامات لأوليائه بعد الممات (وبعد) فقد جرى في المجلس العالي مجمع المفاخر والمعالي مجلس سيد الوزراء وأعظم الكبراء كافل الديار المصرية والأقطار اليوسفية الوزير عبد الرحمن باشا بلغه الله من الخيرات ماشا الكلام على كرامات الأولياء وأنها هل تنقطع بالموت وأن الأولياء هل لهم تصرف في الحياة وبعد الممات في البرزخ وأن من اعتقد ظهور الكرامة لهم (1) بعد الموت أو التصرف حال الحياة وبعد الموت هل يكفر وطلب مني حفظه الله بعد

Page 2

خزياته وكبت عداته تحرير الكلام في ذلك والتقصي عما هنالك فأقول وبالله التوفيق وبيده الهداية إلى سواء الطريق قال العلامة الثاني سعد الدين التفتازاني الولي هو العارف بالله وصفاته المواظب على الطاعات المجتنب عن المعاصي المعرض عن الانهماك في اللذات والشهوات وكرامته ظهور أمر خارق للعادات من قبله فما لا يكون مقرونا بالإيمان والعمل الصالح يكون استدراجا وما يكون مقرونا بدعوى النبوة يكون معجزة وهي أمر يظهر بخلاف العادة على يد مدعي النبوة عند تحدي المنكرين على وجه يعجز المنكرين عن الإتيان بمثله والدليل على حقية الكرامة ما تواتر عن كثير من الصحابة ومن بعدهم بحيث لا يمكن إنكاره خصوصا الأمر المشترك وإن كانت التفاصيل آحاد وأيضا الكتاب ناطق بظهورها من مريم يعني على القول بأنها ولية لا نبية وهو الصحيح (1) ومن صاحب سليمان صلوات الله وسلامه عليه وبعد ثبوت الوقوع لا حاجة إلى إثبات الجواز يعني بدعوى أن الكرامة أمر ممكن وكل ممكن جائز الوقوع ثم قال بعد كلام والحاصل أن الأمر الخارق للعادة هو بالنسبة إلى النبي معجزة سواء ظهر من قبله أم من قبل آحاد أمته وبالنسبة إلى الولي كرامة لخلوه عن دعوى نبوة من ظهر ذلك من قبله فالنبي لا بد له من علمه بكونه نبيا ومن قصده إظهار خوارق العادات ومن حكمه قطعا بموجب المعجزات بخلاف الولي انتهى كلامه مع زيادة تقرير له ومنه نظم أن

Page 3

الكرامة لا تختص بحال الحياة فلا تنقطع بالموت بخلاف المعجزة للنبي حيث اعتبر في حقيقتها الاقتران بدعوى النبوة وقصد إظهارها عند تحدي المنكرين وحينئذ فما يظهر من الخوارق بعد موت الأنبياء يكون كرامة لهم لا معجزة فمن أطلق لفظ المعجزة فقد تسمح بخلاف كرامة الولي إذ لم تعتبر في حقيقتها دعوى الولاية وقصد إظهار الكرامة بل الولي مظهر لها إذ هي كما تقدم الأمر الخارق للعادة وهو الفعل الذي لا يدخل تحت كسب العبد واختياره بل هو حاصل بفعل الله والولي مظهر له أي (1) محل لظهوره وفي هذا الأمر لا فرق بين حياة الولي وموته هذا ما أفاده كلام المحقق التفتازاني في شرح العقائد النسفية فإن قلت ما الدليل على جواز وقوع الكرامة بعد الموت وعدم اختصاصها بحال الحياة قلت الدليل على ذلك أن الكرامة بعد الموت أمر ممكن وكل ممكن جائز الوقوع فالكرامة بعد الموت جائزة الوقوع إذ لو لم نقل بجواز الوقوع للزم ترجيح أحد طرفي الممكن بلا مرجح وهو محال وأيضا لو قلنا بعدم جواز الوقوع مع كونها مخلوقة لله تعالى ومقدورة له إذ هي من جملة الممكنات (2) وقدرته تعالى

Page 4

متعلقه بجميع الممكنات بأسرها إيجادا وإعداما على وفق إرادته تعالى (1) لزم تعجيز القدرة تنزهت قدرته تعالى عن ذلك فإن قلت لا يلزم من جواز الوقوع الوقوع فهل ثم دليل على الوقوع قلت نعم وهو ما نقله الحافظ عبد العظيم المنذري في كتاب الترغيب والترهيب حيث قال عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال ضرب بعض الصحابة خباءه على قبر ولا يحسب أنه قبر فإذا قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ضربت خبائي على قبر وأنا لا أحسب أنه قبر فإذا هو قبر إنسان قرأ سورة الملك حتى ختمها فقال صلى الله عليه وسلم هي المانعة هي المنجية من عذاب القبر رواه الترمذي وقال (2) حديث غريب ا ه‍ قال شارحه الفاضل الفيومي ورواه الحاكم ا ه‍ وهذا دليل على وقوع الكرامة بعد الموت بتقريره صلى الله عليه وسلم حيث أقر قراءة الميت سورة الملك وقال هي المانعة هي المنجية من عذاب القبر وتقريره صلى الله عليه وسلم دليل شرعي تثبت به الأحكام كما تقرر في محله من كتب الأصول ولا يعارض ما حررناه وبالدليل أثبتناه قول قاضي القضاة (3) الأوشي الحنفي في منظومته في العقائد المسماة بدء الأمالي كرامات الولي بدار دنيا * لها كون فهم أهل النوال

Page 5