al-Radd ʿala al-Gahmiyyat
الرد على الجهمية
Investigator
بدر بن عبد الله البدر
Publisher
دار ابن الأثير
Edition Number
الثانية
Publication Year
١٤١٦ هـ - ١٩٩٥ م
Publisher Location
الكويت
٣٢٢ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ التَّنُوخِيُّ أَبُو الْجَمَاهِرِ، ثنا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ﴾ [فصلت: ٤١] بِالْقُرْآنِ ﴿لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لِكِتَابٌ عَزِيزٌ﴾ [فصلت: ٤١] أَعَزَّهُ اللَّهُ، لِأَنَّهُ كَلَامَهُ ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ﴾ [فصلت: ٤٢] وَهُوَ إِبْلِيسُ، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْهُ حَقًّا، أَوْ يَزِيدَ فِيهِ بَاطِلًا
٣٢٣ - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ ﵀: فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ قَدْ رُوِيَتْ، وَأَكْثَرُ، مِنْهَا مَا يُشْبِهُهَا، كُلُّهَا مُوَافِقَةٌ لِكِتَابِ اللَّهِ فِي الْإِيمَانِ بِكَلَامِ اللَّهِ، وَلَوْلَا مَا اخْتَرَعَ هَؤُلَاءِ الزَّائِغَةُ مِنْ هَذِهِ الْأُغْلُوطَاتِ وَالْمعَانِي يَرُدُّونَ بِهَا صِفَاتِ اللَّهِ، وَيُبَدِّلُونَ بِهَا كَلَامَهُ، لَكَانَ مَا ذَكَرَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ كَافِيًا لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ، مَعَ أَنَّهُ كَمَيْلٍ شَافٍ إِلَّا لِمُتَأَوِّلِ ضَلَالٍ، أَوْ مُتَّبِعِ رِيبَةٍ، فَحِينَ رَأَيْنَا ذَلِكَ أَلَّفْنَا هَذِهِ الْآثَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ، لِيَعْلَمَ مَنْ بَقِيَ مِنَ النَّاسِ أَنَّ مَنَ مَضَى مِنَ الْأُمَّةِ لَمْ يَزَالُوا يَقُولُونَ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ اللَّهُ ﷿، لَا يَعْرِفُونَ لَهُ تَأْوِيلًا غَيْرَ مَا يُتْلَى مِنْ ظَاهِرِهِ أَنَّهُ كَلَامُ الرَّحْمَنِ ﵎، حَتَّى نَبَغَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اقْتَرَبُوا لَرَدِّ كِتَابِ اللَّهِ ﷿، وَتَعْطِيلِ كَلَامِهِ وَصِفَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ بِهَذِهِ الْأُغْلُوطَاتِ الَّتِي لَوْ ظَهَرَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ مَا كَانَ سَبِيلُ مَنْ يُظْهِرُهَا بَيْنَهُمْ إِلَّا كَسَبِيلِ أَهْلِ الرِّدَّةِ، أَوَّلُهَا هَذِهِ الْكَلِمَةُ الْمَلْعُونَةُ الَّتِي فَارَقُوا بِهَا جَمِيعَ أَهْلِ الصَّلَاةِ، فَقَالُوا ⦗١٨٠⦘: كَلَامُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ. وَالْحُجَجُ عَلَيْهِمْ مِنْ رَدِّ مَا أَتَوْا بِهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، وَرُوِّينَا مِنْ آثَارِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَمَنْ بَعْدَهُ.
٣٢٤ - ثُمَّ عَلَيْهِمْ حُجَجٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْكَلَامِ وَالنَّظَرِ، لَا نُحِبُّ ذِكْرَ كَثِيرٍ مِنْهَا تَخَوُّفًا مِنْ أَنْ لَا تَحْتَمِلَهَا قُلُوبُ ضُعَفَاءِ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَكْفِي مَنْ نَظَرَ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ﷿، وَرُوِّينَا مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مُخَالَفَةَ هَؤُلَاءِ لِلْأُمَّةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، فَيَقُولَ لَهُمْ: وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ ﷺ وَالْأَمَةَ بَعْدَهُ سَمَّوْهُ كَلَامَ اللَّهِ، وَزَعَمْتُمْ أَنْتُمْ أَنَّهُ خَلْقُ اللَّهِ؟ فَكَفَى بِهَذَا مُخَالَفَةً لِلَّهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِلْأَمَةِ مِنْ بَعْدِهِ، أَوِ ائْتُوا فِيهِ بِكِتَابٍ نَاطِقٍ، أَوْ أَثَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أَوْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ، وَلَنْ تَأْتُوا بِهِ أَبَدًا، وَكَيْفَ تَأْثُرُونَ الْكُفْرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَأَهْلِ الْإِسْلَامِ بَعْدَهُمْ؟ .
٣٢٥ - فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ يَحْتَجُّ بِتَفَاسِيرَ مَقْلُوبَةٍ، وَبِمَعَانٍ لَا أَصْلَ لَهَا مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا إِجْمَاعٍ إِلَّا الْكُفْرَ يَقِينًا.
٣٢٦ - قُلْتُ لِبَعْضِهِمْ: دَعُوا هَذِهِ الْأُغْلُوطَاتِ الَّتِي نَحْنُ بِهَا أَعْلَمُ مِنْكُمْ، وَلَنْ يُنْزِلَكُمُ اللَّهُ مِنْ كِتَابِهِ بِالْمَنْزِلَةِ الَّتِي يُعْتَمَدُ فِيهَا عَلَى تَفْسِيرِكُمْ، أَوْ يُقْبَلُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ آرَائِكُمْ، وَقَدْ أَتَيْنَاكُمْ بِهِ مَنْصُوصًا عَنِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ وَعَنِ الْأُمَّةِ بِأَجْمَعِهَا أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ حَقًّا، فَهَاتُوا عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَنْصُوصًا أَنَّهُ خَلْقُ اللَّهِ كَمَا ادَّعَيْتُمْ، وَإِلَّا فَأَنْتُمُ الْمُفَارِقُونَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، الْمُلْحِدُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ، الْمُفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى كِتَابِهِ وَرَسُولِهِ، وَلَنْ تَأْتُوا عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ.
⦗١٨١⦘
٣٢٧ - أَرَأَيْتُمْ قَوْلَكُمْ: إِنَّهُ مَخْلُوقٌ، فَمَا بَدْءُ خَلْقِهِ؟ قَالَ اللَّهُ لَهُ: كُنْ، فَكَانَ كَلَامًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ بِلَا مُتَكَلِّمٍ بِهِ؟ فَقَدْ عَلِمَ النَّاسُ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْهُمْ أَنَّ اللَّهَ ﷿ لَمْ يَخْلُقْ كَلَامًا يَرَى وَيَسْمَعُ بِلَا مُتَكَلِّمٍ بِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَقُولُوا فِي دَعْوَاكُمْ: اللَّهُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْقُرْآنِ، فَأَضَفْتُمُوهُ إِلَى اللَّهِ، فَهَذَا أَجْوَرُ الْجَوْرِ وَأَكْذَبُ الْكَذِبِ، أَنْ تُضِيفُوا كَلَامَ الْمَخْلُوقِ إِلَى الْخَالِقِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا كَانَ مُكَذِّبًا لَا شَكَّ فِيهِ، فَكَيْفَ وَهُوَ كُفْرٌ لَا شَكَّ فِيهِ، لَا يَحِقُّ لِمَخْلُوقٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَدَّعِيَ الرُّبُوبِيَّةَ، وَيَدْعُو الْخَلْقَ إِلَى عِبَادَتِهِ، فَيَقُولُ: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي﴾ [طه: ١٤] . وَ﴿إِنِّي أَنَا رَبُّكَ﴾ [طه: ١٢] . ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ﴾ [طه: ١٣] . ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي، اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي﴾ [طه: ٤٢] . ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه: ٤٦] . ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] . ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ، إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، وَأَنِ اعْبُدُونِي، هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ [يس: ٦٠] .
٣٢٨ - قَدْ عَلِمَ الْخَلْقُ إِلَّا مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ غَيْرُ الْخَالِقِ، بَلِ الْقَائِلِ بِهِ، وَالدَّاعِي إِلَى عِبَادَتِهِ غَيْرُ اللَّهِ كَافِرٌ كَفِرْعَوْنَ الَّذِي قَالَ: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ [النازعات: ٢٤] . وَالْمُجِيبُ لَهُ، وَالْمُؤْمِنُ بِدَعْوَاهُ أَكْفُرُ وَأَكْذَبُ.
٣٢٩ - وَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّهُ تَكَلَّمَ بِهِ مَخْلُوقٌ، فَأَضَفْنَاهُ إِلَى اللَّهِ، لِأَنَّ ⦗١٨٢⦘ الْخَلْقَ كُلُّهُمْ بِصِفَاتِهِمْ وَكَلَامِهِمْ لِلَّهِ، فَهَذَا الْمُحَالُ الَّذِي لَيْسَ وَرَاءَهُ مُحَالٌ، فَضْلًا عَلَى أَنْ يَكُونَ كُفْرًا، لِأَنَّ اللَّهَ ﷿ لَمْ يَنْسِبْ شَيْئًا مِنَ الْكَلَامِ كُلِّهُ إِلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ كَلَامُهُ غَيْرَ الْقُرْآنِ وَمَا أَنْزَلَ عَلَى رُسُلِهِ، فَإِنْ قَدْ تَمَّ كَلَامُكُمْ وَلَزِمْتُمُوهُ، لَزِمَكُمْ أَنْ تُسَمُّوا الشِّعْرَ وَجَمِيعَ الْغِنَاءِ وَالنَّوْحَ وَكَلَامَ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ وَالْبَهَائِمِ كَلَامَ اللَّهِ، فَهَذَا مَا لَا يَخْتَلِفُ الْمُصَلُّونَ فِي بِطُولِهِ وَاسْتِحَالَتِهِ، فَمَا فَضْلُ الْقُرْآنِ إِذًا عِنْدَكُمْ عَلَى الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ وَالشِّعْرِ، إِذْ كَانَ كُلُّهُ فِي دَعْوَاكُمْ كَلَامَ اللَّهِ؟ فَكَيْفَ خَصَّ الْقُرْآنَ بِأَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ وَنَسَبَ كُلَّ كَلَامٍ سِوَاهُ إِلَى قَائِلِهِ؟ فَكَفَى بِقَوْمٍ ضَلَالًا أَنْ يَدَّعُوا دَعْوَى لَا يَشُكُّ الْمُوَحِّدُونَ فِي بِطُولِهِ وَاسْتِحَالَتِهِ.
٣٣٠ - وَمَا يَزِيدُ دَعْوَاكُمْ تَكْذِيبًا وَاسْتِحَالَةً، وَيَزِيدُ الْمُؤْمِنِينَ بِكَلَامِ اللَّهِ إِيمَانًا وَتَصْدِيقًا، أَنَّ اللَّهَ ﷿ قَدْ مَيَّزَ بَيْنَ مَنْ كَلَّمَ مِنْ رُسُلِهِ فِي الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يُكَلِّمْ، وَمَنْ يُكَلِّمُ مِنْ خَلْقِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَمَنْ لَمْ يُكَلِّمْ، فَقَالَ: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهَ، وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ﴾ [البقرة: ٢٥٣] . فَمَيَّزَ بَيْنَ مَنِ اخْتَصَّهُ بِكَلَامِهِ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يُكَلِّمْهُ، ثُمَّ سَمَّى مِمَّنْ كَلَّمَ مُوسَى، فَقَالَ: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء: ١٦٤] . فَلَوْ لَمْ يُكَلِّمْهُ نَفْسُهُ إِلَّا عَلَى تَأْوِيلِ مَا ادَّعَيْتُمْ فَمَا فَضْلُ مَا ذَكَرَ اللَّهُ مِنْ تَكْلِيمِهِ إِيَّاهُ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يُكَلِّمْهُ؟ إِذْ كُلُّ الرُّسُلِ فِي تَكْلِيمِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ مِثْلُ مُوسَى، وَكُلٌّ عِنْدَكُمْ لَمْ يَسْمَعْ كَلَامَ اللَّهِ، فَهَذَا مُحَالٌ مِنَ الْحُجَجِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ رَدًّا لِكَلَامِ اللَّهِ وَتَكْذِيبًا لِكِتَابِهِ، وَلَمْ يَقُلْ: ﴿مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٥٣] إِلَّا وَأَنَّ حَالَتَيْهِمَا مُخْتَلِفَتَانِ فِي تَكْلِيمِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ. فَمِمَّا يَزِيدُ ذَلِكَ تَحْقِيقَا قَوْلُهُ ⦗١٨٣⦘: ﴿أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٧٧] . يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَفِي هَذَا بَيَانٌ بَيِّنٌ أَنَّهُ لَا يُعَاقِبُ قَوْمًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَرْفِ كَلَامِهِ عَنْهُمْ إِلَّا وَأَنَّهُ مُثِيبٌ بِتَكْلِيمِهِ قَوْمًا آخَرِينَ.
٣٣١ - ثُمَّ قَدْ مَيَّزَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ مَنْ يُكَلِّمُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَيْنَ مَنْ لَا يُكَلِّمُهُ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا رُوِّينَا فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ: مَا رُوِّينَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ ﵁ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَيْضًا بَيَانٌ بَيِّنٌ عَلَى نَفْسِ كَلَامِ اللَّهِ ﷿ أَنَّهُ يُكَلِّمُ أَقْوَامًا وَلَا يُكَلِّمُ آخَرِينَ، وَلَوْ كَانَ كَمَا ادَّعَيْتُمْ كَانَ الْمُثَابُ بِكَلَامِ اللَّهِ وَالْمُعَاقَبُ بِهِ الْمَصْرُوفُ عَنْهُ سَوَاءً عِنْدَكُمْ. أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا ذَرٍّ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ: أَنَبِيًّا كَانَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، مُكَلَّمًا» . فَهَذَا يُنَبِّئُكَ أَنَّهُ أَرَادَ نَفْسَ كَلَامِ اللَّهِ، لَا كَلَامَ مَنْ سِوَاهُ، وَلَوْ كَانَ مُكَلَّمًا بِكَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ فِي دَعْوَاكُمْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَبِيرُ فَضِيلَةٍ لِآدَمَ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْخَلْقِ، لِأَنَّ عَامَّةَ الْخَلْقِ يُكَلِّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَهُمْ مُكَلَّمُونَ، فَمَا فَضْلُ آدَمَ هَذَا عِنْدَكُمْ عَلَى مَنْ سِوَاهُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ؟ وَقَدْ قَالَ ﵎: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: ٣٧]
1 / 179