فإذا رأيت هذا منه فاعذره، فهو لا يدري البتة أنه يجرم، بل إنه لا يدري البتة ما الإجرام؟
وبعد، فإذا جاشت في صدر هذا المخلوق عاطفة، فالحقد الشديد على هذا المجتمع الأثيم الذي لا ينفك يؤذيه أو يحاول أذاه أنى وجده، ويجهد في الحيلولة بينه وبين الكسرة يمسك بها الرمق، ولو التمسها في وعاء السرجين، وينفس عليه حتى بالضجعة في ظل جدار على عذار الطريق!
هو مملوء حقدا واضطعانا على هذا المجتمع ولو وجد السبيل لحرقه بنار السعير، فإذا كتبت السلامة من العلل لهذا الشقي الصغير، وقدر له أن يشب ويكبر فانظر أي صائل فاتك من هذا الغلام يكون؟ فاتك حاشا له أن يزجره عن أعظم الإجرام زاجر من ضمير أو دين أو من رحمة أو من قانون!
وبعد، فإن هذا الصنف من الأطفال يشغلون مع الأسف العظيم نسبة غير يسيرة من مجموع الأمة، فلا ينبغي أن يزهينا اطراد الزيادة في العدد، إذا كان قدر عظيم من الزائدين من هذا الطراز!
على أنه لو تيسر لنا أن نسقط جميع هؤلاء من التعداد؛ لأنه لا جدوى منهم على الأمة؛ بل لأنهم غير أكفاء للحياة، لو تيسر لنا أن نسقطهم من الحساب لهان الخطب، ولكنهم في جسم الأمة عضو متآكل لا يلبث أن يمتد بالفساد وأسباب العطب إلى ما حوله من الأعضاء، فهم أداة متنقلة جوالة لنشر الأوبئة في الصحة وفي الأخلاق إلى ما يؤذون به غيرهم من السرقة والعدوان.
إذن فكيف الحيلة في دفع هذا البلاء الكبير عن البلاد؟
اللهم إنني لا أظن أن العلاج النافذ في أن نبث الجمعيات، ونجمع الأموال لنتلقط هؤلاء الغلمة من الطرق والأزقة، ونحشرهم في الملاجئ والمصحات.
نعم، ليس يجدينا هذا كثيرا في دفع هذا البلاء؛ ما دامت هذه البيئات قائمة على هذه الصورة، وما دامت الأرحام فيها تدفع الأطفال من غير حساب!
إن الداء لا يحسم بتلقط هؤلاء المشردين وحشرهم ذلك المحشر، مهما تتهيأ لنا الملاجئ ويحصل في أيدنا من جلائل الأموال.
لست أزعم أن إنقاذ هؤلاء الأطفال بإيوائهم إلى الملاجئ، وتعليمهم ما يفتح عقولهم، وينير بصائرهم، ويوقظ ضمائرهم، وتمرينهم في ألوان من الحرف تجديهم إذا انحدروا إلى ميدان الحياة، لست أزعم أن هذا القدر لا يجدي ولا يفيد، بل أزعم أنه يفيد بعض الفائدة على أن هذه الفائدة لا تعدو تلطيف العرض، ولكنها لا تحسم العلة ولا تجتث جرثومة الداء.
Unknown page