148

أما الزوج فيختلف شأنه في هذا بعض الاختلاف، فهو في الكثير الغالب لا رأي له في الأمر ولا خيار، على أنه قد يعلم عن عرسه الكثير أو القليل عن طريق أمه أو أخته أو خالته، وإنما يهيئ له الاستماع والاستخبار ما هو مفروض له من جراءة مهما ضعفت، فإنها لا تصل إلى خفر فتاة عذراء!

وقلت لك: «في الكثير الغالب»؛ لأنه في القليل النادر قد يكون الولد مدللا مرهفا، وحينئذ يكون له في الأمر رأي ولو بمقدار.

وكيفما كان الأمر فلقد كان محظورا على الخطيبين أن يتراءيا حتى بعد العقد إلى أن تحين ساعة الزفاف، بل لقد كانت الفتاة إذا خطبت إلى ابن عمها أو ابن خالها، أو ابن عمتها أو ابن خالتها ، ممن نشأت معهم وشبت ولاعبتهم في صغرها؛ أسرع أولياؤها فحجبوها عنه وبالغوا في حجابها إلى يوم الزفاف، شأن الأجنبية سواء بسواء، وكان لذلك حكمة لا تخفى على فطنة الفطناء!

وتحل ساعة العقد فلا يكون وكيل العروس إلا أباها أو عمها عند فقده أو أخاها وكلته أو لم توكل، تكلمت أو عقد الحياء لسانها عن الكلام.

وبعد أشهر تقضى في إعداد الجهاز الذي قد يكون موضوع مساومة عنيفة بين أولياء العروسين، يعين يوم العرس أو «ليلة الدخلة» في تعبير النساء!

وتسير «زفة» الجهاز من بيت العروس إلى بيت العريس تتقدمها الموسيقى، ومن ورائها حملة التحف والآنية الثمينة باسطين تحتها أيديهم، فهذا يحمل ديباجة من الحرير موشاة بأسلاك الذهب والفضة، وهذا يحمل طشتا وإبريقا من خالص الفضة، أو من النحاس المموه بالذهب والفضة، وهذا علبة تنكشف عن بضعة أكواب من الفضة، وهذا طاس حمام كذلك، ولقد ترى آخر يحمل بين يديه قبقابا مكفتا بالصدف والفضة!

ثم يلي هؤلاء رتل من «عربات الكارو» لا يدرك الطرف آخره، قد بسط الجهاز عليها بسطا ومط فوقها مطا، فهذه حشية - مرتبة - قد خص بها مركبة وهذه خمس وسائد قد أفرد لها عربة وقائد، وهذا «كنسول» عليه مرآة قد قصرت العربية عليه دون سواه، وهذا نضد - ترابيزة - قد شجر بالزهور، وهذا «دولاب» قدت أبوابه من البلور وهذه لحف مبسوطة وهذه نمارق مبثوثة، وهذه أريكة بين يديها شجاب، وهذان كرسيان قد نشر عليهما ستر باب وهكذا! وهكذا!

ولا تزال هذه العربات تجوز بك وهي في كلاءة الأحراس، حتى يختم الموكب بفضل الله بعربة النحاس وكان في عربتين كفاية، وفي ثلاث فضل ولكن لا تنسى أن للتباهي حكمة، وللتكاثر غرمه وغنمه!

ولقد ترى أن شيئا من هذا لا يزال قائما إلى الآن، ولكنه أضحى مقصورا على الطبقة الدنيا من الأهلين وكيفما كان الأمر، فلعلك لم تنس أنني قلت في الحديث السابق: إنني أحب أن أجلو الصورة كلها قبل أن تحول، أو يلحقها النصول.

وترسل الدعوة لوليمة العرس إلى الأصدقاء والجيران والمحبين، وهي رقعة في حجم الكف تكتب صيغة الدعوى فيها بماء الذهب، وتبدأ عادة ببيتين أو ثلاثة من الشعر وكانوا يدعونها الملحق؛ ولكيلا أشق عليك في إشاعة تخمينك فيما عسى أن يكتب في هذا الملحق، أعرض عليك نموذجا منه:

Unknown page