Qutb Surur
قطب السرور في أوصاف الأنبذة والخمور
قال أبو موسى الأشعري: خمر أهل المدينة من البُسر والتمر وخمر أهل فارس من العنب، وخمر أهل اليمن البتع وخمر الحبشة السُّكركة وهو من الذرة والمزر من الحنطة والشعير.
وقال عمر " رض " الخمر من خمسة أشياء: البُرّ والشعير والتمر والزبيب والعسل، والخمر كل ما خامر العقل، فأما ما شربه النبي " ص " وأصحابه من نبيذ السقاية وهو نقيع فإن نبيذ السقاية يتخذ قبل يوم التروية بيوم أو يويمن فيشربه الناس حلوًا وربما دخله شيءٌ من عَرَض النبيذ كالرائحة من حرارة البلد وسرعة تغير الأطعمة والأشربة فيه، فليس يكون في شيءٍ من هاتين الحالتين حرامًا، وإنما يُحرم إذا دخله عرض الخمر واعترته النشوة وصَلُب. ألا ترى أن النبي ﷺ كان يُنقع له التمر والزبيب فيشربه ثلاثًا، فإذا جاوز ذلك أمر فسُكب أو سقاه الخدم لأنه بعد ثلاث يتغير شيئًا فيتنزه عنه لا لأنه حرامٌ، ولو كان حرامًا ما سقاه أحدًا. وهذا كتركه أكل الثوم تنزهًا عنه وصونًا للوحي وإذنه للمسلمين في أكله إذا طبخ. والثاني من الأشربة، المسكر وهو محرَّم بسنة رسول الله " ص " كما حرمت لحوم السباع ولحوم الحمر الأهلية ولحوم ذوات المخالب من الطير وليس التغليظ في الخمر وإن كانت حرامًا ولا يكون من شَرِبَ نبيذ زبيبٍ أو نبيذ تمرٍ، وإن أسكر كثيرهما، كمن شرب خمرًا، كما أن أكل لحم الحمار الأهلي ليس كأكل لحم الخنزير، على ما مثلت لك [من] تشبيه المحرم في كتاب الله ﷿ بالفروض وتشبيه المحرم بسنة رسول الله " ص " بالسنن.
والمسكر من الشراب كل ما صَلُب واشتد وازداد على مرَّ الأيام جودة من نبيذ الزبيب المطبوخ ونبيذ التمر المطبوخ مفردين وخليطين، والطِلاء غير ذلك، وإنما سُمِّي مسكرًا لأنه مدخل في السكر [والسكر] ذهاب العقل.
وقد ذكرنا اختلاف الفقهاء فيه، في باب السكر من هذا الكتاب، وأما قول رسول الله " ص ": كل مسكر خمر، فعلى مجاز اللغة، يريد أنه بمنزلة الخمر لأنه حرَّمه بالسُّنة، كما حرم الله الخمر بالكتاب، كما قال ابن شبرمة:
يا أخلاَّيَ إنما الخمر ذيب ... وأبو جعدة الطلاء الممريب
ونبيذ الزبيب ما اشتد منه ... فهو للخمر والطلاءِ نسيب
أخذه من قول عبيد الأبرص:
هي الخمر يكنونها بالطلاءِ ... كما الذيب يكنى أبا جعدةِ
وسئل أبو الأسود عن نبيذ الزبيب فقال:
فإلاَّ يكنها أو تكنه فإنه ... أخوها غذته أُمُّه بلبانها
أما قولهم أن خيارًا من الصحابة شربوا الصُّلب، وشربوا النبيذ فتوهموا أنهم شربوا المسكر ووجدوا محبَّة من النفوس لذلك يتبعها الهوى، فإذا الصلب الذي شربوا ما زايلته الحلاوة فصار صلبًا لمفارقة الحلاوة وعذوبتها، وهو في نفسه رقيق ضعيف لا يكون منه إذا شرب الرجل ما في وسعه أن يشرب مثله، إطباقٌ على العقل وإنما يكون في الإكثار منة خدرٌ وفتور. وخيرٌ لك، إن كنت تخاف أن يدعوك ما رخَّص الله فيه إلى ما حرَّمَ عليك، أن تدعه كله، كما قالوا: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.
وقال آخرون: قليل النبيذ الذي يسكر كثيره حلالٌ وكثيره حرام، والشربة المسكرة هي المحرمة ومثل الأربعة الأقداح التي يُسكر منها الرابع مَثلُ أربعة رجال اجتمعوا على رجل فشجَّه أحدهم [شجة] مُوضِحة ثم شجه الآخر منقِّلة ثم شجَّه الثالث مأمومة، ثم أقبل الرابع فأجهز عليه، فلا نقول إن الأول قاتله، ولا امتنع الثاني ولا الثالث، وإنما قتله الرابع الذي أجهز عليه، [وعليه] القوَد. وقال آخرون من أهل النظر إن الخمر إنما حرمت لإسكاهرا وجرائمها على شاربها فالعلة التي حرِّمت لها الخمر من الإسكار والصداع والصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة قائمة بعينهافي النبيذ كله فسبيله سبيل الخمر لا فرق بينهما في لالدليل الواضح والقياس الصحيح.
وقالوا لِمن أجاز قليل ما أسكر كثيره، إنه ليس بين شارب امسكر ومواقعة السكر حدٌّ ينتهي إليه ولا يقف عنده، ولا يعلم متى يسكر حتَّى يسكر، كما لا علم للناعس متى يرقد حتى يرقد.
1 / 105