ربما وجدتهم في المرة التالية يقولون لي: تفضل، لقد أذن لك قيصر، وهو ينتظرك في شوق وقلق في الردهة الكبرى!
سأمضي في طريقي غير هياب. - هل تسمح أيها الحارس المبجل؟! - أراك رجلا من الشعب! - إني لكذلك يا سيدي. - إذن فقد أخطأت الطريق. - ولكن قيصر هو الذي بعث بنفسه إلي يا سيدي.
ويفطن هذا الحارس الغبي إلى خطئه حين يهرع إلى حارس آخر أعلى منه رتبة ليقول لي: تفضل مكرما، نحن ننتظرك من سنين وسنين، ألست أنت (وهنا ينطق باسمي)؟ - نعم أنا هو يا سيدي. - ادخل، ادخل، إن قيصر العظيم مشتاق إلى رؤياك!
وأصعد سلالم الرخام الناصعة، حريصا حتى لا تنزلق قدمي، وأمرر يدي لأنعمها بملمس الأعمدة الملساء، وأسير في معبر طويل لا تكاد نهايته أن ترى، وحين أبلغ قاعة فسيحة عليها حراس متدثرون بسترة زرقاء، تلمع فوق أكتافهم نجوم وأقمار ذهبية براقة أسألهم: أنبئوا قيصر أن رجلا من شعبه الأمين قد جاء.
ولكن هذا مكان حاجب الوزير، فأرد عليهم ساخطا: من قال لكم إنني أريد مقابلة الوزير، فيجيبني أحدهم وهو يحاول أن يرضيني: أردنا أن نقول إنه وزير قيصر.
وأنصرف عنهم لأواصل سيري، عما قريب سأجد قيصر وسأمثل بين يديه، كيف يصدق أخوتي وصحابي أنني مثلت بين يدي قيصر؟ من كان يظن أن هذا سيحدث لرجل مثلي، وأدور من قاعة إلى قاعة، مبهورا بالسحر الذي يتخايل أمام ناظري، في الثريات، والطنافس، والرسوم، والمرايا، والرياش، والتحف الغالية، لكني سأمضي قدما حتى أجد قيصر، وسوف تشغلني عما أرى أفكاري التي تضطرب في خاطري، وخطابي المنمق الطويل الذي سألقيه بين يديه، ويقفز أمامي رجل طويل غرق جسده في ثوب رمادي، يبدو وكأنه قد خرج من بين الجدران ليقول لي: أي شيطان جاء بك إلى هنا؟ فأقول له وشجاعتي لا تفارقني: لقد بعث قيصر إلي.
فيقول وهو يرفع حاجبيه من الدهشة: ولكن هذا الجناح مخصص لكبير وزراء قيصر.
فأسأله في صوت رزين: وأين إذن أجد قيصر؟
اذهب إلى القاعة الكبرى، وهناك فلتسأل كبير التشريفات.
وأقلب الورقة التي كتبت فيها شكواي بين يدي، وحين أفرغ من قراءتها - للمرة الواحدة بعد المائة - يعاودني الأمل في لقاء قيصر، لكني أصحو على أصوات تناديني من خلفي: أيها الرجل، أيها الرجل!
Unknown page