171

قصص من التاريخ

قصص من التاريخ

Publisher

دار المنارة للنشر والتوزيع

Edition Number

العاشرة

Publication Year

١٤٢٧ هـ - ٢٠٠٧ م

Publisher Location

جدة - المملكة العربية السعودية

Genres

وغاضت فيها ينابيع الماء كما غاضت ينابيع العلم. ثم يرى رجلين يسيران من «أُم القرى» إلى تلك «المدينة» النائمة بين الحرّتين، فينبت الزهر تحت أقدامهما، وتخضرُّ الرمال التي يطؤونها، وتكتسي البادية من حولهما أثواب الحياة. ويرى هذا الرجلَ يستقر في تلك «المدينة» فيبعث من بين حَرّتيها صيحته القوية، فيوقظ النيام ويحيي الجماد ويبعث في النفوس الفضائل والأمجاد، فإذا الجزيرة برملها وصخرها وشمسها المحرقة وجبالها الصلدة تسير وراء محمد ﷺ (أعظم إنسان وأفضل نبي) لتحمل الحياة إلى سهول الشام والعراق. يا عجبًا، يا عجبًا! الصحراء القاحلة تمنح الحياة للسهول والبساتين؟!
رأى الجزيرة تمشي وراء محمد ﷺ لتكون موقد المعركة الحمراء التي أكلت الظلم والرذيلة والطغيان، ثم تمشي ثانية لتكون رمالُها بذورَ الأزاهير والأشجار في السهول الخضراء، ثم تمشي مرة ثالثة لتكون قرائحها وأدمغتها مادة هذه الصحف المجيدة البيضاء، ثم، ثم ... ثم بالغ رفيقه في هزه فانتبه كليب.
- أفي كل يوم إغفاءة أو إغماءة؟ ما لك أيها الرجل؟
- ...
- انزل؛ هذه أسوار بصرى.
* * *
نزلت القافلة تحت أسوار بصرى في موهن من الليل، فلم تبصر في بصرى إلا قطعة من الظلام الراكد، ولم تجد أثرًا لذلك

1 / 178