129

Qissat Turuwada

قصة طروادة

Genres

وهمت ذيتيس فانطلقت إلى ولدها حيث ألفته يتناول وجبة الصباح، فأبلغت إليه الرسالة الأولمبية وعيناها تفيضان بالدمع وقلبها يخفق ويضطرب ونفسها تذوب على شبابه الغض حسرات ...

وهش أخيل لأمه، وتقبل رسالة الإله الأكبر قبولا حسنا، فنهضت ذيتيس وعادت أدراجها بعد إذ طبعت على جبين ولدها قبلة خاطفة كانت، وا أسفاه، آخر وداع منها له في الحياة. •••

وانطلقت إيريس إلى بريام الملك فوجدته ما يفتأ يبكي هكتور، ومن حوله أبناؤه التسعة، خضرا كأفراخ القطا، نضرا كأكمام الزهر، والرجل مع ذاك يقلب فيهم عينين تفيضان حسرة، ووجها يتشح باليأس والهم، وإلى جانبه جلست هكيوبا المرزأة تئن وتتفجع، وترسل من أعماقها زفرات الهم والأسى.

وبلغته إيريس رسالة ربه، وعادت أدراجها إلى الأولمب، وما كاد الملك يخبر زوجه بما أوحي إليه من ربه، حتى اضطربت هكيوبا، وأعولت، وطفقت تضرب صدرها المتهدم بيديها الضعيفتين، لما اعتزم زوجها من تنفيذ ما أشارت به السماء، والذهاب إلى أخيل يرجوه أن يهب له جثمان هكتور خشية أن يأسره زعيم الميرميدون، ويستبقيه عنده رهينة حتى يسلم الطرواديون!

ولكن الرجل كان مؤمنا لا يتسرب إلى قلبه الشك بما رسمت له الآلهة، ولا يساوره ريب في أي مما تشير به أربابه؛ فزجر الملكة، ونهض إلى خزائنه العامرة بالتحف، فتخير اثني عشر قرطقا من أغلى ما نسجت مصر، ومثلها من المعاطف المصنوعة من القاقم والسنجاب، وعددا كبيرا من الوسائد الرائعة والطنافس ذات التصاوير؛ ثم أمر بعشر بدر، فأحضرت من بيت المال، وبدستين كبيرين من الذهب ذوي قوائم من الفضة، وأيد من الجوهر؛ وبأربع قدور مهداة من ملوك الشرق، تزن إحداها ما يملأ خزائن بن بليوس ذهبا، وبكأس من الإبريز الخالص بها من النقوش والصنعة ما يعجز عن مثله عباقرة الجن.

أمر بريام بكل أولئك فوضعت في صناديق كانت هي الأخرى تحفا من صناعات مصر والشام والهند، تهيم فوقها تصاوير فارس.

وصاح بأبنائه التسعة فهرعوا من كل مكان؛ باريس المشئوم وهيلانوس وأجاثون؛ وبامون وأنتيفون وبوليت؛ ثم ديفوبوس وهبوثوس وديوس، كلاب الأزقة كما كان يدعوهم أبوهم، «ليت المنية التي تخطفت هكتور تلقفتكم وخلت سبيل هكتور، أو ليتها أصابت ألف ألف من أمثالكم وعميت عن ليكاون وبوليدور!»

وأمرهم فصفوا الهدايا ورفعوها فوق ظهور البغال، وما ثقل منها وضعوه في عربة كبيرة يجرها بهيمان ؛ وتقدمت هكيوبا فصبت على يدي زوجها خمرا يطهر بها ، وأخذ هو في صلاة طويلة لزيوس ... أن يحميه ويوقيه ويرشده في طريقه إلى أخيل؛ ويرسل إليه الرسول الذي وعد، يقوده إلى فسطاط زعيم الميرميدون!

ولم يكد ينهض من صلاته ويختم توسلاته، حتى رف فوقه طائر ظل يضرب الهواء بخافيتيه، ويهوم ويدوم، ويرنق في سماء الهيكل تارة، ثم يستقر عند المذبح أخرى، حتى أيقن الملك وملؤه أنه الرسول المنتظر والقائد المنشود فخفقت قلوبهم وفرحوا واستبشروا.

وتقدم إيديوس الحكيم فألجم البغال، وأسرج الخيل، وشد البهائم إلى عربة الملك، وأقبل بريام فركب، وأصدر أمره إلى حكيم طروادة وفيلسوفها فسار بين يدي الركب يحدوه ويباركه، ويضمن له رعاية السماء.

Unknown page