قال صاحب الحديث: فلما فرغ جابر من شعره صاح بأعلى صوته في جوانب الحي ونادى: يا بني كندة ويا بني سنبس اعلموا أن مالكا قد قتل. قال فأقبلوا عليه من كل جانب ومكان، قال فمد المقداد نظره فرأى جابرا يحث التراب على رأسه، فحمل المقداد عليه حملة منكرة وقال له: يا جابر أتيت بخراب الديار وقتل الرجال، فقد أتاكم البطل الهمام والأسد الضرغام سيف الله القاطع، والبطل المغوار والفارس الكرار، وقسيم الجنة والنار وسيد الأبرار والسيف الجبار، وحامي الجار ومظهر العجايب ومبدي الغرائب، سهم الله الصائب سيف الله الضارب المذكور في المشارق والمغارب، ليث بني غالب علي بن أبي طالب، فحمل المقداد عليهم حملة منكرة فولوا منهزمين وعلى أعقابهم شاردين.
ثم قال جابر: يا ويلكم يا بني كندة فررتم من فارس واحد، فكيف لو كان معه فارس آخر مثله أو أشجع منه.
قال: وأما ما كان من بني سنبس فإنهم كانوا في واد، فلما سمعوا الصياح تولوا إلى حي بني كندة، قال: فعندها تبادرت إليه الرجال وتصايحت عليه الشجعان، فنزل من خلفه أمير المؤمنين ومعه الحمزة، فلم يزالوا يجندلون الأبطال وأمير المؤمنين ينادي: أنا والد السبطين، أنا فارس بدر وحنين، فصار الإمام يقتل بهم من جانب والحمزة من جانب والمقداد من جانب حتى أذل الله المشركين وانكسرت شوكة بني سنبس، فمن أسلم سلم من القتل، ومن أبى ضرب عنقه، والتقى الإمام مع جابر فعرض عليه الإسلام فأبى فضرب عنقه، وساق الإمام الغنائم ثم رجع إلى المدينة الطيبة الأمينة، والتقى بصاحب السكينة محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، مؤيدا منصورا متوجا مجبورا، وقد فتح الله على يديه بالنصر والظفر، فعرض الإمام على النبي جميع ما جاء به من الغنائم، فقسمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المسلمين بالسوية، ومن أسلم من الكفار جدد إسلامهم على يد النبي
صلى الله عليه وسلم . وأما المقداد والمياسة فأقاما في المدينة في خدمة النبي صلى الله عليه تعالى وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام، وجاهد المقداد بين يدي النبي وقد رزقه الله تعالى من المياسة اثني عشر ولدا ذكرا، وقد ماتت المياسة رحمها الله تعالى، وزوجه النبي وأمير المؤمنين بغيرها، وقام يجاهد بين يدي رسول الله حتى استشهد بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام في غزوة النهروان وقد قتله رجل من الخوارج، هذا ما انتهى من قصة المقداد والمياسة من الوفاء بالعهد.
Unknown page