BIBLE »، الذي أصبح مصدرا تاريخيا ودينيا لا غنى عنه، للباحث المدقق أو المؤمن المتبتل، على حد سواء؛ نتيجة كونه الأثر الوحيد الذى وصلنا متماسكا وشبه جامع لتراث شعوب حوض المتوسط الشرقي بجملة عادات هذه الشعوب وتقاليدها ونظمها الاجتماعية، واعتقاداتها الدينية مع عدد غفير من الأساطير والمتواترات والملاحم والفلكلوريات؛ لذلك فهو معين للمؤمن، كما أنه لا شك معين غزير للباحث المنقب أيضا، لكن مع إشكالية كبرى ناشئة عن كون اليهود قد جعلوا جماعتهم وأربابهم، قطب الدائرة في هذا الكتاب فنسبوا بطولات الملاحم إلى آبائهم الأوائل أحيانا ، أو نسبوا أبطال أساطير شعوب أخرى إلى أنفسهم، وادعوا النسب السلالي إليهم أحيانا أخرى، فكانت النتيجة مزيجا هجينا من ثقافات شتى، تعود إلى الراسب الثقافي لمجموعة كبرى من شعوب المنطقة تلاقحت جميعا على صفحات الكتاب، ولعب فيها اليهود دور البطولة المطلقة.
والكتاب المقدس المتداول الآن، هو مجموعة الأسفار التي جمعها اليهود، مع ما أضافه إليه المسيحيون من أناجيل ورسائل مقدسة، وللتفرقة بين المقدس اليهودي، والمقدس المسيحي، داخل الكتاب المقدس، اصطلح على تسمية اليهودي «العهد القديم» وتسمية المسيحي «العهد الجديد». ومدار بحثنا هو المقدس اليهودي أو العهد القديم، لما تضمنه من تراث شعوب المنطقة.
وقد اختلف الباحثون حول ضبط وتوقيت جمع مادة هذا الكتاب التي كانت متناثرة على المتاح آنذاك من وسائل الكتابة، إضافة إلى ما دخل إليه أثناء جمع المادة من تأليف جديد وترتيب جديد. ويذهب «أنيس فريحة» إلى أنه «كانت مواد أسفار التوراة من شعر وقصص وأمثال وتاريخ وتعليم ديني في بادئ أمرها روايات شفهية متداولة جيلا بعد جيل، إلى أن قيض لها أن تدون في حدود 440ق.م.».
1
ويلخص «حسن حنفي» القول في قوله: «إن أسفار الكتاب المقدس لم يكتبها مؤلف واحد، في عصر واحد، لجمهور واحد، بل كتبها مؤلفون كثيرون، في عصور متعاقبة، لجماهير مختلفة المزاج. ويمتد التدوين إلى ألفي عام، وربما أكثر من ذلك.»
2
هذا إضافة إلى الإقرار الواضح في مقدمة الطبعة الكاثوليكية للكتاب المقدس لسنة 1960م، الذي يقول: «ما من عالم كاثوليكي في عصرنا، يعتقد أن موسى ذاته كتب كل التوراة منذ قصة الخليقة، أو أنه أشرف على وضع النص الذي كتبه عديدون من بعده، بل يجب القول: إن ازديادا تدريجيا حدث، سببته مناسبات العصور التالية، الاجتماعية والدينية.»
وقد حاول بعض العلماء تحديد الفترة الزمنية التي استغرقها زمن تدوين الكتاب المقدس، فطالت المسافة وامتدت ما بين بداية القرن العاشر قبل الميلاد وانتهاء بالقرن الأول الميلادي. وذهب هؤلاء إلى أن الأسفار الخمسة الأولى قد كتبت على مدى ثلاثة قرون ابتداء من القرن العاشر قبل الميلاد، أما آخر الأسفار وهو سفر المكابيين الأول، والثاني، فقد حررت خلال القرن الأول قبل الميلاد.
3
أما موسوعة تاريخ العالم، التي أشرف على تحريرها عدد لا يستهان به من العلماء، فقد أكدت أن في هذا الكتاب أجزاء ألفت ما بين 1150ق.م. وبين 130ق.م. وأجزاء أخرى كالأسفار الخمسة الأولى، قد أخذت صورتها النهائية حوالي عام 400ق.م. وتحوي كتابات يرجع تاريخها الشفاهي إلى ستة قرون سابقة على هذا التاريخ، بينما الأسفار التاريخية قد كتبت سنة 550ق.م. مع تصنيفات أخرى للكتاب، قدمت لها الموسوعة اقتراحات بتواريخ مختلفة ومتباعدة تباعدا كبيرا.
Unknown page