قلت «وحليمة»؟
قال «حليمة. الله يطيل عمرها ويخليها لأولادها ويبارك لها فيهم» فأقصرت، وبودى أن أسأله «ألا يزال يحبها»؟
وكانت ليلة أحياها «عم محمد» بالسهر فى البوظة وهو آمن، فقد كان جدى نائما، وأبى فى بيت زوجته الأخرى، فلما عاد وتطرح إلى غرفته، ألفى حليمة راقدة، ولكن عينيها مفتوحتان، وإلى جانبها شىء مغطى بملاءة، فوقف عند السرير، ونظر إليها مستغربا ابتسامتها وكانت عادتها أن تنهض له حين يدخل عليها لتكون فى خدمته حتى ينام فلما طال تحديقه فيها، تحت الملاءة ورفعت ما تحتها، على كفيها ليراه، فأفاق وذهب عنه خمار السكر، وهوى على ركبتيه، وأسند جبينه إلى مرتبة السرير وراح يبكى - بكاء الفرح لا الحزن، فوضعت حليمة طفلتها، وجلست، ومدت يدها إلى رأسه لترفعه وتمسح له دموعه فتناول كفها ولثم راحتها، ونظر إليها وقال: «لو كنت أعلم لما خرجت».
قلت: «خروجك كان أحسن.. ماذا يصنع الرجل فى هذه الحالة»؟
فسألها «كيف.. من كان معك»؟
قالت «لا أحد.. لم أخبر أحدا.. ما الداعى»؟
فدهش ولكنها ابتسمت ونهضت، لتقوم بخدمته كعادتها، وحاول هو أن يمنعها، فسخرت منه، وسخنت له الطعام وقدمته إليه ليأكل، وكان لا يأكل إلا قبل النوم مباشرة، وبعد أن يرتوى من البوظة فعكف على طعامه وهو يتعجب لحليمة وقوتها وجلدها، حتى ليجيئها المخاض فتتشدد وتحتمل آلامه فى صمت، وتضع وحدها وبلا معين، وبعد ساعة أو ساعتين ترجع كما كانت، لا فاترة ولا متهافتة ولا مسترخية وجال بخاطره أن حليمه آية من آيات الله، وأنه سعيد بأن تكون زوجته، وحدثته نفسه، على ما روى لى أن يجعل مظهر شكره لله وإقراره بنعمته عليه، أن يكف عن معاقره البوظة، ولكنها كانت نجوى ليس إلا.
وقال لها وهو يمسح يديه فى الفوطة: «يجب أن تستريحى غدا على الأقل.»
فاستغربت هذا الاقتراح وقالت «أستريح. أنت مجنون»؟
ولم تسترح حليمة ولا دقيقة واحدة، فكانت ترضع طفلتها وتتركها وتواصل عملها المتنوع.
Unknown page