109

Qiṣṣat al-falsafa al-ḥadītha

قصة الفلسفة الحديثة

Genres

وعلى الرغم من أن الطبيعة ساهرة على هذا التوفيق بين نسبة التناسل وحاجة النوع، فقد يظهر أنها أخطأت الحساب، ومالت نحو الإكثار من السكان، بغض النظر عن كمية الغذاء، وحق «لمالتوس» أن يجهر بدعوته إلى ضبط النسل لما لاحظه من زيادة السكان على مواد الغذاء. (5) تطور العقل

لا ريب أن الكتابين اللذين أصدرهما «سبنسر» عام 1873م في «السيكولوجية» كانا أضعف الحلقات في سلسلة تأليفه، فهو يكثر فيهما من النظريات إكثارا يسترعي النظر، ولكنه لا يسوق البراهين التي تؤيد تلك النظريات إلا قليلا ، ومن النظريات التي جاء ذكرها في هذين الكتابين رأي في أن نشأة الأعصاب من نسيج كانت تصل الخلايا أجزاءه، ورأي في أن أصل الغرائز انعكاسات متراكمة، وضروب من السلوك كسبها الأسلاف فورثوها للأخلاف، ورأي بأن الصور الفعلية

Mental Categoris

تكونت بعد تجربة طويلة قام بها أفراد الجنس، ورأي بأنه على الرغم من إمكان تغير صور الأشياء في الإدراك الحسي بحيث تكون شيئا يخالف حقيقتها إلا أن لها وجودا خاصا مستقلا عن إدراكنا إياها، ومئات غير هذه من النظريات التي جاءت مهوشة غامضة، أقرب إلى الميتافيزيقا منها إلى البحث في الأمر الواقع، حتى لكأن إنجلترا قد تركت هذين الكتابين نزعتها الواقعية وعادت إلى طريقة «كانت» في البحث.

ولكن ما يلفت نظر القارئ على الفور هو أن يرى للمرة الأولى في تاريخ علم النفس باحثا يبحث السيكولوجية من وجهة نظر تطورية محضة؛ إذ بذل «سبنسر» مجهودا جبارا في تعقب حقائق الفكر المعقدة المتشابكة، فأرجعها إلى عمليات عصبية بسيطة، ثم إلى حركة بين أجزاء المادة.

ورأته - حقا - مجهودا قد انتهى بالفشل، ولكن من ذا الذي كتب له في هذا الموضوع توفيق أو نجاح؟ ويرى «سبنسر» أن عملية تطورية واحدة تناولت الكون بادئة من السديم منتهية إلى العقل! ولقد سار العقل في مراحل متعاقبة، فترقت طرائق استجابته للبواعث الخارجية من صور بسيطة إلى أخرى معقدة، من الانعكاس إلى الغريزة، ثم من الذاكرة والخيال إلى الذكاء والعقل. ويقول «سبنسر» إن ليس هنالك بين الغريزة والعقل من فارق اللهم إلا في الدرجة فحسب، فكلاهما يعمل على الملاءمة بين حالة الكائن الباطنية، وبين الظروف الخارجية، وكل الفرق بينهما هو فرق في الدرجة، فالغرائز تنظم العلاقات البسيطة نوعا ما، أما العقل فيستجيب للمواقف المعقدة، فليس العمل العقلي إلا إجابة غريزية كتب لها البقاء بعد عراك نشب بينها وبين إجابات غريزية أخرى، وذلك لصلاحها هي بالنسبة إلى الإجابات الأخرى، فالعقل والغريزة في صميمهما شيء واحد، أو إن شئت فقل لا فرق بين العقل والحياة.

أما «الإرادة» فهي كلمة نطلقها على مجموع الدوافع التي تدفعنا إلى العمل، فهي في حقيقة الأمر فكرة تحولت إلى عمل لم تجد ما يعوقها دون ذلك، فالفكرة هي المرحلة الأولى للعمل، والعمل هو المرحلة الثانية للفكرة.

أما «صور الفكر»

Categories

مثل إدراك الزمان والمكان وفكرتي الكمية والسبب، التي قال عنها «كانت» إنها فطرية في الإنسان، فما هي إلا طرائق غريزية للتفكير. ولما كانت الغرائز عادات كسبها الجنس، ولكنها رسخت في الفرد رسوخ الفطرة، فإن هذه «الصور الفكرية» عادات عقلية اكتسبها الإنسان ببطء على مدى الزمان، ولكنها أصبحت الآن جزءا من تراثنا العقلي. (6) تطور المجتمع

Unknown page