Qissat Adab Fi Calam
قصة الأدب في العالم (الجزء الأول)
Genres
وكانت الخطابة من الفنون الأدبية التي بلغت من الكمال حدا بعيدا في أثينا. والخطابة إنما تكون أدبا حين تحتفظ الألفاظ المنطوقة بقوة فصاحتها إذا ما خطت على الورق لتقرأ، فما أكثر ما تفنى خطب الخطباء مع الهواء كما تفنى ألحان المنشدين وأصوات الممثلين. والخطب ثلاثة أنواع: خطب تسمع ولا تقرأ، وخطب تقرأ ولا تسمع، وثالثة تشمل بتأثيرها العيون والآذان؛ فها هو ذا «غلادستون»
204
مثلا حرك النفوس بخطبه، ولكنها حين صبت في أحرف المطابع بردت نارها، وذلك هو «إدمند بيرك»
205
لم يكن له من القدرة الخطابية ما يقنع أعضاء البرلمان الإنجليزي، ومع ذلك فخطبه - مكتوبة - ساحرة فاتنة، وهي تحتل مكانة رفيعة في الأدب الخالد. وأما خطباء اليونان فقد بلغوا بهذا الفن - كما قلنا - حدا بعيدا من الكمال. وذلك لأن حظوظهم السياسية كانت ترتكز - إلى حد بعيد - على قدرتهم الخطابية، وذلك طبيعي في عصر لم يعرف الصحف اليومية التي تشيع بين الناس فتحمل إلى أعينهم عشرات من المقالات، وهي خطب يلقيها رجال السياسة من أسنة الأقلام، وأول من نذكره من خطباء اليونان خطيب صامت! خطيب لم يكن من أهل أثينا في عرف القانون، فلم يكن له حق الكلام في ساحات القضاء أو الخطابة أمام جموع الشعب؛ ذلك هو «لسياس»
206
الذي أخذ يكتب الخطب بقلمه ليلقيها غيره بلسانه، ولم يخطب «لسياس» في الناس إلا مرة واحدة؛ حين دبر أحد الطغاة قتل أخيه. وعاصر «لسياس» خطيب آخر يكتب خطبه ولا يلقيها، ذلك هو «إسقراط»
207
الذي أخذ يستحث دويلات اليونان أن تمتشق الحسام ضد الفرس، ووجه دعوته إلى مقدونيا. فلما أن رأي مقدونيا تستغل ما غنمته من حروب الفرس في تدبير جيش يخضع أثينا نفسها ندم «إسقراط» على دعوته إياها وكفر عن سيئته بأن حرم على نفسه الطعام حتى مات، وأهم خطبة له «الثناء على أثينا». وأما أعظم خطباء اليونان جميعا فهو «ديموسثنيس»،
208
Unknown page