Qissat Adab Fi Calam
قصة الأدب في العالم (الجزء الأول)
Genres
الخطيب ينفذ بخطابته إلى قلوب سامعيه، وحين أدرك ما عسى أن يعود به فن الخطابة على الخطيب الموفق من أسباب الشرف؛ فلم يلبث أن خصص جهده لممارسة هذا الفن فدرس البلاغة على «إيزاوس»
194
حتى إذا ما بلغ أشده ظهر في ساحة القضاء يتهم أوصياءه بانتهاب ثروته.
وعلى الرغم من نجاح ديموسثنيس في دعواه تلك، كان عليه أن يواصل الدرس ليتم نقصا كبيرا، إذ كانت أولى خطبه تثير في سامعيه الضحك، فقد كان أسلوبه عنيفا ومضطربا، وصوته خافتا متلعثما وإلقاؤه مقطوع الأنفاس، لكن هذه الأخطاء أصلحت كلها بالمران الطويل الشاق الذي قام به في جب أنشأه لنفسه تحت الأرض، كان يقيم فيه شهرين أو ثلاثة دفعة واحدة. وقد أزال من لسانه اللعثمة بالتحدث والحصا ملء فيه، وزاد من قوة صوته بالجري صاعدا فوق سطح الجبل يصيح وهو يلهث، وكان يطيل النظر إلى موقفه وحركاته في المرآة.
ولم يلق ديموسثنيس الخطاب ارتجالا إلا نادرا، فقد كان الناس يصيحون به في المجامع ليخطبهم لكنه كان يظل صامتا، إلا إن كان قد أعد ما يلقيه، وكانت عادته أن يكتب الشطر الأعظم من خطابه - إن لم يكتبه بأجمعه - قبل أن يلقيه؛ ولذا كان يعترض عليه بأن الحجج في خطبه تفوح برائحة المصباح، ولكنه مع ذلك قد خطب في حالات قليلة بغير إعداد فجاءت خطابته عندئذ وكأنها تتدفق من معين خارق لقدرة البشر.
وكان حقودا بطبعه، يقاوم ما استطاع، فلم يجار عصره قط قولا ولا عملا، إنما استمسك حتى النهاية بوجهة نظره السياسية التي اعتنقها منذ البداية، ومطمحه الأول هو الدفاع عن قضية اليونان ضد فيليب.
195
ومعظم خطبه بما فيها هذه «الفيلبيات»
196
كتبها على مبدأ أن الخطة القويمة الجديرة بأن تتبع يجب أن تختار دون سواها من أجل نفسها لا لغاية وراءها، فهو لا يستحث بني وطنه إلى أداء ما هو ملائم ويسير ونافع، ولكنه يدعوهم إلى ما يؤدي بهم إلى مواضع الشرف؛ فلو كان الله قد حبا ديموسثنيس فوق مطمحه النبيل وسمو مبدئه في خطابته، شجاعة في الحرب، ولو كان طهر يديه من دنس الرشوة، لكان جديرا أن يوضع في منزلة واحدة مع «سيمون»
Unknown page