185

Qissat Adab Fi Calam

قصة الأدب في العالم (الجزء الأول)

Genres

معلم الخطابة الشهير، كما تتلمذ للفيلسوف أنكساغوراس الذي سماه معاصروه في شيء من السخرية ب «الروح». والذي لا شك فيه أن أثر السوفسطائية في ثيوسيديد واضح، ونحن لا نقصد بذلك إلى المعنى المرذول من السوفسطائية وهو القدرة على قلب الحق باطلا وإنما نقصد إلى مقدرتهم القوية على الحاجة والتصرف في مفردات التفكير والإمعان في إدراك المفارقات الدقيقة، وكذلك الأمر في تأثره بأنكساغوراس فثيوسيديد يكاد يكون ذكاء خالصا. وإنك لتقرأ كتابه فلا تعثر بإحساس مؤلفه الخاص يسفر عن وجهه، وإنما هو كما قلنا ذكاء خالص يجمع الوقائع ويعرضها ويستخرج دلالتها فيما يشبه البرود التام، فإذا انفعلت - وأنت لا بد منفعل - جاء ذلك من فن ثيوسيديد الرائع في ترتيب القصص أو صياغة الخطب على نحو يحرك القارئ ويهز مشاعره.

كتاب ثيوسيديد عنوانه «حرب البلبونيزيا» وهي تلك الحرب التي قامت بين أثينا وإسبرطة وحلفاء كل منهما بعد انتهاء الحرب الميدية بما يقرب من نصف قرن، وسبب قيامها كانت الغيرة التي استشعرتها إسبرطة وغيرها من مدن اليونان نحو أثينا التي تمكنت بفضل جهودها الرائعة في الحرب ضد الفرس من أن تتزعم مدن اليونان كافة وأن تضرب عليها نفوذها. ولقد دامت تلك الحرب المدمرة ما يقرب من ست وعشرين عاما (من 431 إلى 404ق.م.) وانتهت بهزيمة أثينا، بل بتحطيم بلاد اليونان كلها مما مهد السبيل إلى استيلاء المقدونيين في القرن الثاني على مدن اليونان كافة والقضاء على ما كان لها من حرية ومجد.

والظاهر أن ثيوسيديد قد أخذ، منذ بدء تلك الحرب، في جمع الوثائق والمعلومات، ونحن نعلم أنه قد عين (قائدا) في سنة 424ق.م. وكلف أن يحمى المقاطعة الساحلية المجاورة لمدينة أمفيبوليس

187

في تراقيا، ولكنه لسوء الحظ لم يستطع أن يمنع الإسبرطيين من الاستيلاء على تلك المدينة الهامة، فاتهم بالخيانة وحكم عليه بالنفي، فعاش عشرين عاما في تراقيا حيث كانت له مناجم معدنية يستغلها. وفي تراقيا أخذ يعد كتابه. ولقد قام بعدة رحلات وصل فيها إلى إيطاليا وصقلية ليجمع الوثائق وليتحرى المعلومات. وفي سنة 404ق.م. استدعي للعودة إلى وطنه فعاد حيث كتب جزءا من كتابه، ومات فيما بين سنة 400ق.م. وسنة 395ق.م. دون أن ينتهي من كتابة تاريخ تلك الحرب؛ إذ يقف مؤلفه عند حوادث سنة 411ق.م.

كتاب ثيوسيديد ينقسم إلى ثمانية كتب، ولكن هذا التقسيم لا يرجع إلى المؤلف نفسه، ولقد قسمه القدماء أحيانا إلى ثمانية كتب وأحيانا إلى تسعة وأحيانا إلى ثلاثة عشر، وإن يكن التقسيم المستقر اليوم هو التقسيم الثماني.

وبالنظر في الكتاب يبدو لنا أن مؤلفه كان قد قسمه إلى قسمين:

القسم الأول:

من الكتاب الأول إلى الفصل الخامس والعشرين من الكتاب الخامس، وبه مقدمة الكتاب ثم أخبار الحرب حتى معاهدة نكياس سنة 421ق.م.

القسم الثاني:

Unknown page