قال أبو الفتح: أي إذا كنتم تؤثرون شمَّ الرَّوح في الدنيا وملاقاة نسيمها، فلا زلت روضةً وقبولًا، وهي الريح التي تجيء من وراء القبلة نديَّة انجذابًا إلى هواكم ومصيراُ إلى ما تؤثرونه، وتكون سبب الدُّنِّو منكم.
قال الشيخ: شدَّ ما توعَّر في إعرابه حتى تقعر، وكيف يكون الرجل روضةً وقبولًا حتى يصل خليلًا؟ وهبه صار قبولًا وروضةً، فما فائدته في الدُّنِّو منهم؟ ولا راحة حينئذ له في الوصل ولا ألم في الهجر ولا علم بهذا وذاك ولا إحساس لهما. وعندي أنه يقول: إذا كان شمُّ الرَّوح أدنى إليكم وأقرب من إيثاركم وهواكم ومحبتكم، فلا فارقتني ولا زايلتني روضةٌ وقبولٌ حتى يكون ما تؤثرونه وتحبونه من هذا النسيم جامعًا بيني وبينكم وناظمًا شملي وشملكم، وأكون بانتشافه شريكًا لكم فيه وقريبًا منكم به وواجدًا منه ما تجدونه وعالمًا بأنكم شُركائي فيه وقُرنائي به، فأجد به تعلُّلًا باقترابكم وتفرُّجًا بكوني في حالة معكم وتروُّحًا إلى مناسبتكم فيه ومناسمتكم، فيكون بيني وبين ما تحبونه منه قربٌ واجتماعٌ، وإن كان بيني وبين من أحبهم منكم بعدٌ وافتراقٌ، وقد قِنع بدون ما قاله قومٌ، فقال:
وتقَرُّ عيني وهي نازحةٌ ... ما لا يقَرُّ بعينِ ذي الحِلمِ
وقال الآخر:
أليسَ اللَّيلُ يجمعَنُا جميعًا؟ ... أليسَ شرابُنا من ماءِ وادِ؟
(ويومًا كأنَّ الحسنَ فيهِ علامةٌ ... بعثتِ بها والشَّمسُ منكِ رسولُ)