وكأن الله قد أسف على لهجته الحادة هذه فتلطف، وقال: «ما فات قد فات، وأنا لا أغير كلامي وبما أني قد دخلت بيتكما، فإني سأترك أثرا جميلا لزيارتي، قدمي إلي أولادك يا حواء».
فقدمت إليه أولادها الثلاثة الذين كانت قد هيأتهم لمقابلته.
فنظر إلى أولهم وكان صبيا تبين عليه دلائل الجد وقد عقد حاجبيه، ووضع أصبعه على فمه، وقال له: «إنك ستكون قاضيا على الناس فتعمل لهم القوانين وتغيرها من وقت لآخر، ولكنك تعاقب كل من يخالفها بعقاب واحد، كالطبيب الذي يداوي جميع الأمراض بدواء واحد».
ثم نظر إلى الآخر وكان خفيفا نشيطا يحمل في يده عصا يضرب بها إخوته، وقال: «وأنت ستكون قائدا على الجيوش، وستجمع الرجال أمامك وتحشدهم في جيش وتسوقهم إلى الحرب، كما تساق البهائم إلى المجزرة، وهؤلاء الرجال وإن كانوا هم فرائسك فسيهتفون لك، وعندما يراك الناس ملطخا بالدم سيسجدون لك ويعتبرونك ملكا، وكل من يقتل من الناس سيعتبر مجرما، وأما أنت إذا قتلت فستعتبر بطلا، فارو الأرض بالدماء وأعمل السيف والنار في المدن، واقتل واحرق وانهب فالشعراء ستتغنى بك، والمؤرخون سيذكرون مآثرك، وأما الباقون الذين يعملون هذه الأعمال وليس في يدهم رخصة العساكر فسيسجنون ويعدمون».
ثم تفكر الله قليلا ونظر إلى الثالث، وقال: «إنك ستكون ممولا عظيما فتملك ثروات العالم، وستفتح البنوك وتقرض الناس الأموال بالربا، وإذا خربت البلاد من ذلك فإن إعجاب الناس بكفاءتك المالية لن ينقص».
وكان آدم يبكي من الشكر، وكانت حواء قلقة تريد أن تقول شيئا ولكنها لا تعرف كيف تقوله، فإن قلبها كان يتقطع أسى على حال أولئك المساكين الذين حبستهم في حظيرة الخنازير، ولم يمنحهم الله حقوقا مثل إخوتهم، فهمست في أذن آدم قائلة: «إني لا أبالي، سأخبره عنهم».
وكان آدم جبانا فثبطها، وتقدم ميكائيل وكان قد سئم قعوده في هذا الكوخ الحقير وقال مخاطبا الله: «لقد أمسينا يا مولاي».
فوقف الرب وقفزت الملائكة من الأشجار واستلت سيوفها كالعادة.
فهرولت حواء إلى حظيرة الخنازير وفتحت بابها وقالت لله: «ربنا، قل شيئا لهؤلاء المساكين».
فدهش الله من هؤلاء الأولاد القذرين وكانت الحظيرة تنتغش بهم كما تنتغش بدود، فقال: «لم يعد عندي شيء أقوله، فقد منحت كل شيء لإخوتهم، ولكني سأتدبر». ولكن حواء بالرغم من منع ميكائيل لها صارت تلح على الله ليقول لهم كلمة، وكان الله يريد الذهاب سريعا، فقال: «لا بأس، إنهم سيخدمون إخوتهم ويشتغلون في الأرض».
Unknown page