54

Qisas Anbiya

قصص الأنبياء

Investigator

مصطفى عبد الواحد

Publisher

مطبعة دار التأليف

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٣٨٨ هـ - ١٩٦٨ م

Publisher Location

القاهرة

وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا حَجَّهُ لِأَنَّهُ لَامَهُ عَلَى ذَنْبٍ قَدْ تَابَ مِنْهُ، وَالتَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كمن لاذنب لَهُ. وَقِيلَ إِنَّمَا حَجَّهُ لِأَنَّهُ أَكْبَرُ مِنْهُ وَأَقْدَمُ. وَقِيلَ لِأَنَّهُ أَبُوهُ. وَقِيلَ لِأَنَّهُمَا فِي شَرِيعَتَيْنِ مُتَغَايِرَتَيْنِ. وَقِيلَ لِأَنَّهُمَا فِي دَارِ الْبَرْزَخِ وَقد انْقَطع التَّكْلِيف فِيمَا يَزْعمُونَ. وَالتَّحْقِيقُ: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رُوِيَ بِأَلْفَاظٍ كَثِيرَةٍ بَعْضُهَا مَرْوِيٌّ بِالْمَعْنَى، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَمَدَارُ مُعْظَمِهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَلَى أَنَّهُ لَامَهُ عَلَى إِخْرَاجِهِ نَفْسَهُ وَذُرِّيَّتَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ: أَنَا لَمْ أُخْرِجْكُمْ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَكُمُ الَّذِي رَتَّبَ الْإِخْرَاجَ عَلَى أَكْلِي مِنَ الشَّجَرَةِ، وَالَّذِي رَتَّبَ ذَلِكَ وَقَدَّرَهُ وَكَتَبَهُ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ، هُوَ الله عزوجل، فَأَنْتَ تَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ لَيْسَ لَهُ نِسْبَةٌ إِلَى أَكثر من أَنِّي نُهِيتُ عَنِ الْأَكْلِ مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ مِنْهَا، وَكَوْنُ الْإِخْرَاجِ مُتَرَتِّبًا عَلَى ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِي، فَأَنَا لَمْ أُخْرِجْكُمْ وَلَا نَفْسِي مِنَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ وَصُنْعِهِ، وَلَهُ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ. فَلِهَذَا حَجَّ آدَمُ مُوسَى. وَمَنْ كَذَّبَ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَمُعَانِدٌ ; لِأَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، وَنَاهِيكَ بِهِ عَدَالَةً وَحِفْظًا وَإِتْقَانًا. ثُمَّ هُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَمَنْ تَأَوَّلَهُ بِتِلْكَ التَّأْوِيلَاتِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا، فَهُوَ بَعِيدٌ مِنَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، وَمَا فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَقْوَى مَسْلَكًا مِنَ الْجَبْرِيَّةِ. وَفِيمَا قَالُوهُ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ مُوسَى ﵇ لَا يَلُومُ عَلَى أَمْرٍ قد تَابَ عَنهُ فَاعله.

1 / 37