216

Qawāʿid al-aḥkām fī maṣāliḥ al-anām

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

Publisher

مكتبة الكليات الأزهرية

Publisher Location

القاهرة

عَنْ الْجِمَاعِ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِهِ يَمْنَعُ مِنْ تَوَجُّهِ النِّيَّةِ، إذْ لَا يَصِحُّ قَصْدُ مَا يَجْهَلُ حَقِيقَتَهُ، وَشَرْطُ ابْنِ خَيْرَانَ التَّلْبِيَةَ مُتَّجَهٌ لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ فِي الْحَجِّ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فِي الصَّلَاةِ وَشَرَطَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ التَّلْبِيَةَ أَوْ سَوْقَ الْهَدْيِ.
فَصْلٌ فِي تَرَدُّدِ النِّيَّةِ مَعَ تَرَجُّحِ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ النِّيَّةُ قَصْدٌ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَجُّهُهُ إلَّا إلَى مَعْلُومٍ أَوْ مَظْنُونٍ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِمَشْكُوكٍ فِيهِ.
وَكَذَلِكَ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَوْهُومِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جَزْمُهَا مُسْتَنِدًا إلَى عِلْمٍ أَوْ اعْتِقَادٍ أَوْ ظَنٍّ، فَإِذَا نَوَى مَا يَتَرَدَّدُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ تَحَقُّقُهُ رَاجِحًا صَحَّتْ نِيَّتُهُ مِثْلُ أَنْ يَنْوِيَ الزَّكَاةَ عَنْ مَالٍ شَكَّ فِي هَلَاكِهِ أَوْ يَنْوِيَ الصِّيَامَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ لِأَنَّ مَا نَوَاهُ ثَابِتٌ مُحَقَّقٌ بِاسْتِصْحَابِ الْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ عَدَمُ مَا نَوَاهُ رَاجِحًا بِالِاسْتِصْحَابِ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ لِأَنَّهَا لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا مَعَ عِلْمٍ أَوْ ظَنٍّ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ عَنْ مَالٍ شَكَّ هَلْ مَلَكَهُ أَمْ لَا، وَكَمَا لَوْ نَوَى الصِّيَامَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَصِحُّ صَوْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ الْمُتَحَيِّرَةِ وَصَلَاتُهَا مَعَ عَدَمِ رُجْحَانِ الطَّهَارَةِ عَلَى الْحَيْضِ وَالْحَيْضِ عَلَى الطَّهَارَةِ؟ قُلْنَا: هَذَا مِمَّا اُسْتُثْنِيَ لِلضَّرُورَةِ بِخِلَافِ مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي مَسْأَلَةِ السَّبِيكَةِ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى تَمْيِيزِ الذَّهَبِ مِنْ الْفِضَّةِ فَيَزُولُ الشَّكُّ، وَلَا قُدْرَةَ لِلْمُسْتَحَاضَةِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، وَلَوْ نَوَى الصِّيَامَ مُعَلَّقًا عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ جَزَمَ النِّيَّةَ وَاعْتَقَدَ أَنَّ مَا جَزَمَهُ مَوْقُوفُ التَّحَقُّقِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ فَهَذِهِ نِيَّةٌ صَحِيحَةٌ لِجَزْمِهَا وَقَدْ أَضَافَ إلَيْهَا الِاعْتِرَافَ بِوُقُوفِ عِبَادَتِهِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ، وَذَلِكَ إتْيَانٌ بِطَاعَتَيْنِ، وَإِنْ تَشَكَّكَ بِالْفِعْلِ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ لِتَرَدُّدِهِ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَعَ مِنِّي الصَّوْمُ وَلَا يَجْزِمَ بِذَلِكَ فَهَذَا لَا يَصِحُّ تَرَدُّدُهُ وَشَكُّهُ.

1 / 218