210

Qawāʿid al-aḥkām fī maṣāliḥ al-anām

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

Publisher

مكتبة الكليات الأزهرية

Publisher Location

القاهرة

الضَّرْبُ الثَّانِي: مَا كَانَ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ كَطَهَارَةِ الْأَحْدَاثِ بِالْمَاءِ، فَهَذَا يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَهُ فِي نَفْسِهِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَبَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ مَقْصُودَهُ، وَلَهُ حَالَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَنْوِيَ رَفْعَ شَيْءٍ يُحَرِّمُهُ ذَلِكَ الْحَدَثُ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ شَيْءٍ مِمَّا يُحَرِّمُهُ ذَلِكَ الْحَدَثُ، وَإِنَّمَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ فِي حُصُولِ الْعِبَادَةِ لِأَنَّ الْحَدَثَ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِطَهَارَةٍ وَهِيَ قُرْبَةٌ.
فَإِنْ قِيلَ الصَّلَاةُ وَالتَّيَمُّمُ مُمْتَازَانِ بِصُورَتَيْهِمَا عَنْ الْعَادَاتِ وَعَنْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْعِبَادَاتِ فَلِمَ افْتَقَرَ إلَى النِّيَّةِ - مَعَ تَمْيِيزِهِمَا؟ قُلْنَا.
أَمَّا التَّيَمُّمُ فَإِنَّهُ افْتَقَرَ إلَى النِّيَّةِ - لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَمَّا يُفْعَلُ عِبَادَةً أَوْ عَادَةً، وَلَيْسَ مَسْحُ الْوَجْهِ بِالتُّرَابِ نَوْعًا مِنْ التَّعْظِيمِ فِي مُطَّرِدِ الْعَادَاتِ بَلْ صُورَتُهُ كَصُورَةِ اللَّعِبِ وَالْعَبَثِ الَّذِي لَا فَائِدَةَ فِيهِ، فَلِذَلِكَ افْتَقَرَ إلَى نِيَّةٍ تَصْرِفُهُ عَنْ اللَّعِبِ وَالْعَبَثِ إلَى الْعِبَادَةِ إذْ لَا تَعْظِيمَ فِي صُورَتِهِ، وَالْعِبَادَاتُ كُلُّهَا إجْلَالٌ وَتَعْظِيمٌ.
وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَإِنَّمَا وَجَبَتْ النِّيَّةُ فِيهَا لِوُجُوبِ تَرْتِيبِهَا، وَإِذَا بَطَلَ أَوَّلُهَا بَطَلَ مَا ابْتَنَى عَلَيْهِ فَلَمْ تَجِبْ النِّيَّةُ فِيهَا لِتَمْيِيزِهَا عَنْ الْعَادَةِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ لِتَمْيِيزِ رُتَبِ الْعِبَادَةِ، فَإِنَّ مَرْتَبَةَ التَّكْبِيرِ فِي النَّافِلَةِ الْمُطْلَقَةِ دُونَ مَرْتَبَتِهِ فِي النَّوَافِلِ الْمُرَتَّبَةِ وَالْمُؤَقَّتَةِ، وَرُتَبُ الْعِبَادَةِ فِي النَّوَافِلِ الْمُؤَقَّتَةِ دُونَ رُتَبِ الْمَفْرُوضَةِ وَالْمَنْذُورَةِ، فَإِذَا وَقَعَ مُرَدَّدًا بَيْنَ هَذِهِ الْجِهَاتِ، فَقَدْ تَرَدَّدَ بَيْنَ رُتَبٍ مُخْتَلِفَةٍ فَلَا يَعْتَقِدُ بِهِ فِي رُتْبَةٍ عُلْيَا وَحُمِلَ عَلَى أَدْنَى الرُّتَبِ، وَكَانَ مَا بَعْدَهُ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ مَبْنِيًّا عَلَى رُتْبَتِهِ وَهُوَ مُرَدَّدٌ وَالْمَبْنِيُّ عَلَى الْمُرَدَّدِ مِثْلُهُ فِي التَّرَدُّدِ، بَلْ رُتْبَةُ التَّكْبِيرِ فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ أَعْلَى مِنْ رُتْبَتِهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ أَصْلَ الصَّلَاةِ وَإِلَّا وَقَعَ مُرَدَّدًا بَيْنَ رُتْبَةِ تَكْبِيرِ الصَّلَاةِ وَرُتْبَةِ التَّكْبِيرِ الْخَارِجِ عَنْ الصَّلَاةِ.

1 / 212