189

Qawāʿid al-aḥkām fī maṣāliḥ al-anām

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

Publisher

مكتبة الكليات الأزهرية

Publisher Location

القاهرة

الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ الْحُقُوقِ: مَا تَكُونُ مُؤْنَةُ إقْبَاضِهِ عَلَى مُقْبِضِهِ كَالْأَثْمَانِ وَالْعَوَارِيّ وَالْغُصُوبِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْجُنَاةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجِبُ عَلَيْهِمْ التَّمْكِينُ كَمَا فِي الْأَمَانَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَقَالَ آخَرُونَ: يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِقْبَاضُ وَالتَّسْلِيمُ كَمَا فِي الْعَوَارِيّ وَالْغُصُوبِ وَالدُّيُونِ وَالْأَثْمَانِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ هَذَا الْخِلَافِ فِي أُجْرَةِ الْجَلَّادِ وَالْمُسْتَوْفِي لِلْقِصَاصِ. فَإِنْ أَوْجَبْنَا التَّمْكِينَ لَمْ يَلْزَمْ الْجَانِي أُجْرَةُ الْمُسْتَوْفِي، وَإِنْ أَوْجَبْنَا التَّسَلُّمَ وَجَبَ أُجْرَةُ الْمُسْتَوْفِي عَلَى الْجَانِي كَمَا تَجِبُ أُجْرَةُ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ.
[فَائِدَةٌ سَجْدَتَا السَّهْوِ جَبْرٌ مِنْ وَجْهٍ وَزَجْرٌ لِلشَّيْطَانِ مِنْ وَجْهٍ]
(فَائِدَةٌ) سَجْدَتَا السَّهْوِ جَبْرٌ مِنْ وَجْهٍ وَزَجْرٌ لِلشَّيْطَانٍ عَنْ الْوَسْوَاسِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِمَا فِي السَّجْدَتَيْنِ مِنْ تَرْغِيمِهِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إذَا سَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي وَيَقُولُ يَا وَيْلَهُ أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْت بِالسُّجُودِ فَعَصَيْت فَلِي النَّارُ. فَإِنْ قِيلَ: مُحَرَّمَاتُ الْحَجِّ تِسْعٌ مَنْ تَعَمَّدَهَا زُجِرَ عَنْهَا بِالْكَفَّارَةِ إلَّا النِّكَاحُ وَالْإِنْكَاحُ فَإِنَّهُ يُزْجَرُ عَنْهُمَا بِالتَّعْزِيرِ دُونَ التَّكْفِيرِ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ النَّاكِحَ وَالْمُنْكَحَ لَمْ يَحْصُلَا عَلَى غَرَضِهِمَا مِنْ الْمُحَرَّمِ الَّذِي ارْتَكَبَاهُ بِخِلَافِ مَنْ ارْتَكَبَ سَائِرَ الْمَحْظُورَاتِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ عَلَى الْأَغْرَاضِ الَّتِي حُرِّمَتْ لِأَجْلِهَا، فَإِنَّ الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ مِنْ الطِّيبِ وَالدُّهْنِ وَاللِّبَاسِ وَسَتْرِ الرَّأْسِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِالْجِمَاعِ وَبِمَا دُونَ الْجِمَاعِ، وَأَكْلِ الصَّيْدِ وَحَلْقِ الشَّعْرِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ حَاصِلٌ لِمَنْ تَعَاطَى ذَلِكَ، فَزُجِرَ بِالْكَفَّارَةِ فِطَامًا لَهُ عَنْ السَّعْيِ فِي تَحْصِيلِ هَذِهِ اللَّذَّاتِ، وَالنِّكَاحُ وَالْإِنْكَاحُ كَلَامٌ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ

1 / 191