15

Qawāʿid al-aḥkām fī maṣāliḥ al-anām

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

Publisher

مكتبة الكليات الأزهرية

Publisher Location

القاهرة

الضَّرْبُ الثَّانِي: مَا يَرِدُ عَلَى الْقُلُوبِ مِنْ الْخَوَاطِرِ بِالِاكْتِسَابِ، وَعَلَى الِاكْتِسَابِ يَتَرَتَّبُ الْمَدْحُ وَالذَّمُّ وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ.
[فَصْلٌ فِي الْحَثِّ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ]
لَمَّا عَلِمَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ قَدْ جَبَلَ عِبَادَهُ عَلَى الْمَيْلِ إلَى الْأَفْرَاحِ وَاللَّذَّاتِ، وَالنُّفُورِ مِنْ الْغُمُومِ وَالْمُؤْلِمَاتِ وَأَنَّهُ قَدْ حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَالنَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، وَعَدَ مَنْ عَصَى هَوَاهُ وَأَطَاعَ مَوْلَاهُ بِمَا أَعَدَّهُ فِي الْجِنَانِ مِنْ الْمَثُوبَةِ وَالرِّضْوَانِ، تَرْغِيبًا فِي الطَّاعَاتِ لِيَتَحَمَّلُوا مَكَارِهَهَا وَمَشَاقَّهَا، وَيَتَوَعَّدُ مَنْ عَصَى مَوْلَاهُ وَأَطَاعَ هَوَاهُ بِمَا أَعَدَّهُ فِي النِّيرَانِ مِنْ الْعُقُوبَةِ وَالْهَوَانِ، زَجْرًا عَنْ الْمُخَالَفَاتِ لِيَجْتَنِبُوا مَلَاذَّهَا وَرَفَاهِيَتَهَا، وَمَدَحَ الطَّائِعِينَ تَرْغِيبًا فِي الدُّخُولِ فِي حَمْدِهِ وَمِدْحَتِهِ، وَذَمَّ الْعَاصِينَ تَنْفِيرًا مِنْ الدُّخُولِ فِي لَوْمِهِ وَمَذَمَّتِهِ.
وَكَذَلِكَ وَضَعَ الْحُدُودَ وَالْعُقُوبَاتِ الْعَاجِلَةَ زَجْرًا عَنْ السَّيِّئَاتِ. فَالْوَاجِبُ عَلَى الْعِبَادِ اتِّبَاعُ الرَّشَادِ، وَتَنَكُّبُ أَسْبَابِ الْفَسَادِ، وَقَضَاءُ اللَّهِ وَقَدْرُهُ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ، فَلَا رَادَّ لِحُكْمِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِقَضَائِهِ، وَلَا خُرُوجَ لِعَبْدٍ عَمَّا حُكِمَ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ مِنْ سَعَادَةٍ أَوْ شَقَاوَةٍ.
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنَّ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ بِمَثَابَةِ الْأَوْقَاتِ]
فِي بَيَانِ أَنَّ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ بِمَثَابَةِ الْأَوْقَاتِ
التَّكَالِيفُ كُلُّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَسْبَابِ الْمُعْتَادَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ الْأَسْبَابُ جَالِبَةً لِلْمَصَالِحِ بِأَنْفُسِهَا وَلَا دَارِئَةً لِلْمَفَاسِدِ بِأَنْفُسِهَا، بَلْ الْأَسْبَابُ فِي الْحَقِيقَةِ مَوَاقِيتُ لِلْأَحْكَامِ وَلِمَصَالِحِ الْأَحْكَامِ، وَاَللَّهُ هُوَ الْجَالِبُ لِلْمَصَالِحِ الدَّارِئُ لِلْمَفَاسِدِ، وَلَكِنَّهُ أَجْرَى عَادَتَهُ وَطَرَدَ سُنَّتَهُ بِتَرْتِيبِ بَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ عَلَى

1 / 17