بسم الله الرحمن الرحيم
وما توفيقي إلا بالله قال أبو العباس أحمد بن يحيى: قواعد الشعر أربع: أَمرٌ، ونهيٌ، وخَبَرٌ، واستخبارً.
فأما
الأمر
قول الحطيئة:
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم ... من اللوم أو سُدوا المكان الذي سلوا
أولئك قومٌ إن بَنوْا أحسنوا الْبُنَا ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا
1 / 31
ويروي:؟ قومٌ إن بَنَوْا أحسنوا البِنَا.
النهي
كقول ليلى الأخيلية:
لا تقربن الدهر آل مطرفٍ ... لا ظالمًا أبدًا ولا مظلوما
قومٌ رباط الخيل وسط بيوتهم ... وأسنةٌ زرقٌ يخلنَ نُجومَا
الخبر
كقول القطامى:
يقتلننا بحديثٍ ليس يعلمه ... من يتقين ولا مكنونه بادي
فهنَّ ينبذن من قول يُصبن به ... مواقع الماء من ذي الغلة الصادي
1 / 32
الاستخبار
كقول قيس بن الخطيم:
أنى سربتِ وكنتِ غير سروب ... وتقربُ الأحلامُ غيرَ قريبِ
ما تمنعي يقظَى فقد تؤتينه ... في النوم غير مُصردٍ محسوبِ
ثم تتفرع هذه الأصول إلى مدحٍ، وهجاء، ومراثٍ، واعتذارٍ، وتشبيبٍ، وتشبيهٍ، واقتصاص أخبار.
المدح
كقول الشماخ في عرابة:
رأيت عرابةَ الأوسي يسمو ... إلى الخيراتِ منقطعَ القرينِ
إذا ما رايةٌ رُفعتْ لمجدٍ ... تلقاها عرابةُ باليمينِ
1 / 33
الهجاء
كقول عمير بن جعيل التغلبي:
إذا رحلوا عن دار ذلٍِّ تعاذلوا ... عليها وردوا وفدهم يستقيلها
وقال حسان بن ثابت، يهجو الحارث بن هشام:
إن كنتِ كاذبة الذي حدثتني ... فنجوت منجَى الحارثِ بن هشامِ
ترك الأحبةَ أن يُقاتلَ دونهم ... ونجا برأس طمرةٍ ولجامِ
المرثية
كقول الفرزدق في وكيع بن أبي سُودٍ:
فعاش ولم يتركْ ومات ولم يدعْ ... من الناس إلاّ من أباتَ على وتْرِ
1 / 34
الاعتذار
كقول النابغة الذبياني للنعمان:
أتوعد عبدًا لم يخنكَ أمانةً ... وتتركُ عبدًا ظالمًا وهو ظالعُ
حملتَ عليَّ ذنْبَه وتركتَه ... كذي العُرِّ يُكْوَى غيره وهو راتعُ
التشبيه
كقول امرئ القيس:
كأنَّ دماء الهاديات بنحرهِ ... عصارةُ حناءِ بشيبٍ مرجل
التشبيب
كقوله:
ألم ترياني كلما جئتُ طارقًا ... وجدتُ بها طيبًا وإن لم تطيبِ
1 / 35
اقتصاص الأخبار
كقول الأسود بن يعفر:
جرت الرياح على محلِّ ديارهم ... فكأنما كانوا على ميعادِ
قال:
التشبيه الخارج عن التعدي والتقصير
كقول امرئ القيس:
كأن دماءَ الهادياتِ بنحره ... عصارةُ حناء بشيبٍ مرجلِ
إذا ما الثريا في السماء تعرضتْ ... تعرضَ أثناء الوِشاحِ المفصلِ
ومثله قوله:
كأنَّ عيون الوَحْش حول خِبائنا ... وأرحُلنَا الجزعُ الذي لم يثقبِ
1 / 36
وكقوله في تشبيه قلوب الطير:
كأن قلوب الطير رَطبًا ويابسًا ... لدى وكرها العُنابُ والحشفُ البالي
وزعم الرواة أن هذا أحسن شيء وجد في تشبيه شيئين بشيئين في بيت واحد. وكقول النابغة الذبياني، في نفوذ قرن الثور من صفحة الكلب:
كأنه خارجًا من جنب صفحَتهِ ... سفود شربٍ نسوه عند مفتأدِ
وكقول زهير بن أبي سلمى، يصف ظعائن:
بكرنَ بُكورًا واستحرنَ بسحرةٍ ... فهنَّ ووادي الرَّسِّ كاليد في الفمِ
1 / 37
وكقول الحطيئة، يصف لغام ناقته:
ترى بين لحييها إذا ما ترغمت ... لغامًا كبيت العنكبوت الممددِ
وكقول النابغة الجعدي:
رمى ضرعَ نابٍ فاستمرَّ بطعنةٍ ... كحاشية البُرْدِ اليَماني المُسَهَّمِ
وكقول الكُميت، يصف آثار السيوف:
تُشَبَّهُ في الهامِ آثارُها ... مشافِرَ قَرْحَى أكلْنَ البريرَا
وكقول الشماخ، يصف فرسًا:
صفوحٌ بخديها وقد طال جريها ... كما قلب الكفَّ الألدُّ المُجادِلُ
وكقول ثعلبة بن صعير المازني، يصف الرَّبَاب:
كأنَّ الرَّبابَ دوَيْنَ السحاب ... نَعامٌ يُعلق بالأرْجُلِ
1 / 38
وكقول عَدِي بن الرِّقاع يصف قرن خشف:
تزجى أغنَّ كأنّ إبرةَ رَوْقِه ... قلمٌ أصاب من الدواة مِدَادَها
وكقول امرئ القيس:
مُهفهفةٌ بيضاءُ غيرُ مُفاضةٍ ... ترائبها مصقولةٌ كالسجنجلِ
تضيء الظلامَ بالعشاءِ كأنها ... منارةُ مُمسي راهبٍ متبتلِ
1 / 39
وقال يصف نعمة بشرتها:
من القاصراتِ الطّرفِ لو دَبّ محوِلٌ ... من الذَّرّ فوق الإتْب منها لأثرَا
وقال حاتم الطائي، يصف ثغر امرأة:
يضيء لدى البيت القليل خصاصهُ ... إذا هي يومًا حاولت أن تبسَّما
وقال أعشى باهلة، في المنتشر بن وَهْب يرثيه:
مردى حروب ونورٌ يُستضاء به ... كما أضاء سوادَ الليلةِ القمرُ
وقال أبو كبير الهذلي:
فإذا نظرتَ إلى أَسِرَّة وَجهه ... برقت كبرْقِ العارِضِ المتهللِ
1 / 40
وقال أبو الطمحان القيني:
أضاءت لهم أحسابهم ووجوهم ... دجى الليل حتى نظم الجَزْع ثاقبُهْ
وقال مزاحم العقيلي في مثل ذلك:
ترى في سنا الماوِيِّ كل عَشِيَّةٍ ... على غفلاتِ الزَّيْنِ أو في التجملِ
وجوهًا لو أن المدلجين اعتشوا بها ... صدعن الدُّجى حتى ترى الليلَ ينجلي
وقال أعرابي يصف ثغر امرأة:
كأن وميض البرقٍ بيني وبينها ... إذا حانَ من بعضِ الحديث ابتسامُها
1 / 41
وقال آخر:
لو كانت ليلًا من ليالي الزهر
كنت من البيض وفاء البدر
قمراء لا يشفى بها من يسرِي وقال ابن عنقاء الفزاري، يمدح عميلة بن أسماء بن خارجة الفزاري:
كأن الثريا علقت في جبينه ... وفي أنفه الشعرى وفي جيده القمرْ
وقال: نهاية وصف الخُلْقُ قول زهير في هرم:
يطعنهم ما ارتموا حتى إذا اطعنوا ... ضاربَ حتى إذا ما ضاربوا اعتنقا
1 / 42
وقوله:
على مكثريهم حقُّ من يعتريهم ... وعند المقلين السَّماحَةُ والْبَذْل
وقوله:
لو كان يقعد فوق الشمس من كرمٍ ... قومٌ بأحسابهمْ أوْ مجدهم قعدوا
وقوله:
من تلقَ منهم تقُلْ لاقيْتُ سيدهم ... مثلَ النجوم التي يسري بها السَّارِي
1 / 43
وقال حسان في آل جفنة:
يغشون حتى ما تهرُّ كلابهم ... لا يسألون عن السوادِ المقبلِ
وقال الأعشى يمدح المحلق:
تشبُّ لمقرورينِ يصطليانها ... وبات على النار الندى والمحلق
وقوله:
أنت خيرٌ من ألفِ ألفٍ من القَوْ ... مِ إذا ما كَبَتْ وجوهُ الرجالِ
وقال قيس بن عاصم المنقري:
وإني لعبدُ الضيف من غير ريبةٍ ... وما فيَّ إلا تلك من شيم العبدِ
1 / 44
وقالت امرأة من الأزد تصف قومها:
قومٌ إذا حضروا الهياجَ فلا ... ضربٌ ينهنههمْ ولا زجرُ
خزر العيون إلى لوائهمُ ... يتربدُون كأنهم نمرُ
وكقول الآخر:
إذا هم ألقى بين عينيه عزمهُ ... ونكب عن ذكر العواقبِ جانِبَا
فأكرمْ به من صاحبٍ إنْ ندبته ... وأكرمْ به من طالبِ الوتر طالبَا
وقال:
الإفراط في الإغراق
كقول امرئ القيس:
1 / 45
وقد أغتدي والطيرُ في وكناتها ... بمنجردٍ قيد الأوابدِ هيكلِ
وكقول النابغة:
بأنك شمسٌ والملوكُ كواكبٌ ... إذا طلعتْ لم يبدُ منهم كوكبُ
وكقول طرفة يصف سيفًا:
أخي ثقةٍ لا ينثني عن ضريبةٍ ... إذا قال مهلًا قال حاجزُه قَدِ
وكقول الحطيئة يمدح ابن شماس:
1 / 46
متى تأتهِ تعشُو إلى ضوءِ نارِه ... تجدْ خيرَ نارٍ عندها خيرُ موقدِ
وكقول ابن الرعلاء الغساني يصف سعَة طعنة:
وغموسٍ تضلُّ فيها يد الآ ... سي ويعيى طبيبُهَا بالدواءِ
وكقول تأبطَ شرًا يمدح شمس بن مالك:
ويسبقُ وفدَ الريحِ من حيث ينتحي ... بمنخرقٍ من شدِّهِ المتداركِ
وكقول قيس بن الخطيم:
وإنِّي لدى الحرب العوان موكَّلٌ ... بإقدامِ نفسٍ ما أريد بقاءها
1 / 47
وكقول قيس بن سعد بن عبادة في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ﵁:
لو عدد الناسُ ما فيه لما برحتْ ... تُثنى الخناصرُ حتى تنفذ العددُ
وكقول أعشى باهلة في المنتشر بن وهب:
لا يأمنُ الناسُ ممساهُ ومصبحهُ ... في كل أوبٍ وإن لم يغزُ ينتظرُ
وكقول الآخر:
والله لو بكَ لم أدَعْ أحدًا ... إلا قتلْتُ لفاتنِي الوترُ
وكقول رجل من بني تميم يمدح قومه:
1 / 48
إذا استنجدوا لم يسألوا من دعاهمُ ... لأية حرب أم لأي مكانِ
وكقول المرار:
رمى رميةً لو قسمت بين عامرٍ ... وذبيانها لم يبقَ إلا شريدها
وكقول ابن جبلةَ يمدح حميدًا:
لولاك ما كان سدًى ولا ندًى ... ولا قريشٌ عرفت ولا العربْ
وقال في لطافة المعنى: وهو الدلالة بالتعريض على التصريح.
كقول امرئ القيس:
أمرخٌ خيامهمُ أم عُشرْ ... أمِ القلبُ في إثرهمْ منحدرْ
المَرْخ الزَّنْد، والعُشَر الزَّنْدَة، فالزَّند قائم، والزَّندة مسطوحةٌ على الأرض، وفيها فرض، فيوضع طرف عود المرخ القائم في الفرض الذي في لوح العشر المسطوح، ثم يدار فيورى نارًا؛ فقال
1 / 49
امرؤ القيس: أهم مقيمون كعود المرخ، أم قد حطوا للرحلة كانسطاح العشر، أم قد ارتحلوا، فالقلب في إثرهم منحدر؟ وفيه أقوال أخر كلها يدل على الإيماء الذي يقوم مقام التصريح لمن يحسن فهمه واستنباطه.
وكقول امرئ القيس أيضًا:
وخليلٍ قد أفارقه ... ثم لا أبكي على أثرهْ
وكقول مهلهل بن ربيعة:
يبكَى علينا ولا نَبكي على أحدٍ ... لنحنُ أغلظُ أكبادًا من الإبل
وكقول جرير:
وإني لأستحيي أخي أن أرى له ... عليَّ من الفضل الذي لا يرى لِيَا
1 / 50