253

والثاني في مدة الحيض: وقد اختلف السلف في ذلك، والذي يوجبه النظر أن أقل مدته فيما يرجع إلى العبادات غير محدود (1) بتقييد مضبوط، لأن الدفعة الواحدة تكون حيضا إذا فاضت من الفرج وإن لم تكن حيضة معدودة في العدة والاستبراء، إذ العبادة لا تترك إلا بعلم متيقن به سقوطها عن المتعبد، ...

--------------------

قوله إذ العبادة لا تترك ... الخ: هذا التعليل غير ظاهر على مقتضى كلامه من جعله الدفعة الواحدة حيضا، فإنه يقتضي أن تترك العبادة لأجلها، والتعليل يقتضي ألا تترك العبادة إلا بشيء يتيقن أنه حيض، وهذا التعليل إنما يناسب من قال:

أقل الحيض ثلاثة أيام، لأن ما دون الثلاثة لم يتيقن أنه حيض فكيف تترك العبادة لأجله؟ وانظر إلى المصنف -رحمه الله- كيف خالف أكثر أصحابنا وأخذ بقول نص في "الإيضاح" على أنه قول شاذ (2)؛ وأيضا الأصل في الشيء أن يكون جاريا على طريقة واحدة فيكون الحيض في العدة والاستبراء والعبادة شيئا واحدا، وأما قوله - عليه السلام -:» إذا أقبلت الحيضة ... الخ «(3) فيحتمل أن يكون المراد: إذا أقبلت الحيضة المعتبرة وهي ما بين ثلاثة أيام إلى عشرة، لقوله - عليه السلام - في رواية جابر عن أنس بن مالك:

» أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام «(4)، ولأن الواجب على المرأة

إذا أقبلت الحيضة وظهرت أماراتها أن تترك الصلاة والصوم وما يحرم على الحائض،

__________

(1) - في د: محدودة.

(2) - عامر بن علي الشماخي، 1/ 194.

(3) - تقدم لفظ الحديث كاملا مع تخريجه في صفحة: 250.

(4) - أخرجه الربيع بن حبيب: باب في الحيض، رقم: 541 (2/ 147)؛ والطبراني في الكبير، رقم: 7586 (8/ 129)؛ وفي الأوسط، رقم: 603 (1/ 355)؛ وفي مسند الشاميين، رقم: 1515 (2/ 370)؛ وأخرجه الدارقطني في سننه، رقم: 61 (1/ 219)؛ وبزيادة تحت رقم: 59، 60. وقد جاء موقوفا عن أنس بن مالك في عدة روايات أخرى، وقد أعل النقاد بعض طرقه، راجع تفاصيل ذلك في: الزيلعي، نصب الراية، 1/ 191.

Page 253