بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الكتاب: القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة
المؤلف: د. محمد مصطفى الزحيلي.
عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
الناشر: دار الفكر - دمشق
الطبعة: الأولى، ١٤٢٧ هـ - ٢٠٠٦ م
عدد الأجزاء: ٢
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
1 / 4
مقدمة
الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام، وأتم لنا الدّين، وفتح أمامنا أبواب الهداية، وبصرنا طرق الاجتهاد، وإعمال العقل، وبذل الجهد، واعتبر ذلك عبادة وتفقهًا وذخرًا ليوم الدين.
والصلاة والسلام على رسول الله، المبعوث رحمة للعالمين، البشير النذير، الهادي إلى الحق والصراط المستقيم، والباعث على التفكر والبحث وإعمال الذهن للوصول إلى اليقين.
ورضي الله عن الآل والأصحاب، ورحم الله العلماء والفقهاء والدعاة، وجزى الله الجميع خيرًا، وعوض المسلمين عنهم خيرًا على الدوام.
وبعد:
فإن القواعد الفقهية من أهم العلوم الإسلامية، وهي مرحلة متطورة للتأليف في الفقه، وضبط فروعه، وإحكام ضوابطه، وحصر جزئياته، ولها فوائد جمة، ومنافع كثيرة، سوف نتطرق إليها بمشيئة الله تعالى.
وقد وُجِدت البدور الأولى للقواعد الفقهية في القرآن والسنة، ثم اعتمد عليها ضمنيًا الصحابة والعلماء والفقهاء والأئمة عند الاجتهاد والاستنباط، دون أن تكون مدونة، ثم تفطن العلماء لجمعها، وتحريرها، في القرن الرابع الهجري، وبدأت تنتشر وتشيع في المؤلفات الخاصة، وفي ثنايا كتب الفقه عامة، وعلم الخلاف (الفقه المقارن) خاصة، ثم ظهرت فيها المؤلفات، والمجلدات في المذاهب الفقهية، وكثر التأليف فيها من القرن السابع إلى القرن العاشر، وتم تحرير القواعد، وصياغتها.
وجمعها مع فروعها في كتب خاصة، وسنذكر أهمها في التقديم التالي.
ثم تبلورت مشخصة ومقننة لأول مرة في مجلة الأحكام العدلية التي وضعت سنة
1 / 5
١٢٨٦ هـ وطبقت فعلًا كقانون سنة ١٢٩٣ هـ/ ١٨٧٦ م، وتداولها القضاة والمحامون أولًا، ثم أولاها العلماء والفقهاء وشراح المجلة ثانيًا، وأفردها الشيخ أحمد الزرقا بكتاب مستقل، ورعاها ابنه أستاذنا العلامة الشيخ مصطفى الزرقا (١٩٩٩ م) في المدخل بدراسة متميزة مع تبويبها، وتصنيفها، والإشادة بها في كتابه القيم الفريد.
(المدخل الفقهي العام) الذي ألفه سنة ١٩٤٧ م، ثم نال عليه جائزة الملك فيصل العالمية.
وفي العقدين الأخيرين من القرن العشرين الميلادي، ومطلع القرن الخامس عشر الهجري، اتجهت الأنظار في العالم العربي والإسلامي للعناية الفائقة بالقواعد الفقهية، وظهرت فيها الأنشطة المتعددة، وتبوأت المكانة السامية في الرعاية والعناية، وتتجلى في النقاط التالية:
١ - تدريس القواعد الفقهية في المعاهد الدينية، أو المعاهد الإسلامية، أو
الثانويات الشرعية، ثم في الكليات والجامعات، وأصبحت مادة القواعد الفقهية مساقًا مقررًا في كليات الشريعة، وصارت أحد المواد الفقهية المعتمدة للتدريس، وكانها علم مستقل.
٢ - ونتج عما سبق ظهور التصانيف والمؤلفات العديدة، الكبيرة والصغيرة في القواعد الفقهية، وتم التعريف بعلم القواعد الفقهية، وبيان موضوعه، ومسائله، ومباحثه، وفوائده، والحاجة إليه، وأهدافه، وبيان نشأته، وضبط حدوده، والتفريق بينه وبين علم أصول الفقه وقواعده، وصلته بالأشباه والنظائر، وعلاقته بالفروق، وعلم الخلاف، وبيان الصلة بينه وبين الضوابط وما يمكن أن يشتبه به، وسنشير إلى بعضها لاحقًا في التقديم التالي.
٣ - رافق الجهد السابق كشف الغطاء، وتسليط الأضواء على المؤلفات السابقة في القواعد الفقهية في تراث الفقه الإسلامي العظيم، وإن اختلفت العناوين: القواعد، القواعد الفقهية، الأشباه والنظائر، الفروق، وغير ذلك، وسنشير إليها باختصار في التقديم التالي.
1 / 6
٤ - نتج عما سبق تشمير السواعد لإحياء التراث الإسلامي في القواعد الفقهية.
وإخراج الكتب القديمة إلى النور، بالدراسة والتحقيق، وتم نشر كتب كثيرة في القواعد الفقهية، سواء بجهد مستقل، أو في رسائل بنية الحصول على شهادة الماجستير والدكتوراه في الجامعات الإسلامية، وتولت مراكز البحث العلمي وإإحياء التراث، ودور النشر المختلفة طباعة هذه الكنوز الفقهية، بعد التحقيق العلمي المتميز، والإخراج الفني الأصيل.
٥ - رافق المرحلة السابقة جهود مباركة في التأليف والتصنيف في القواعد الفقهية، وبيان مناهج المؤلفين القدامى في ذلك، وكيفية ترتيبهم للقواعد، واختلاف طرقهم ومسالكهم فيها، وعرض جوانب من أعمالهم.
٦ - ظهرت في هذه الفترة دراسات جانبية وبحوث مستقلة، بإفراد بعض القواعد بدراسة مستقلة، لشرحها وبيان معناها.، وأدلتها الشرعية، وعرض أهم الفروع الفقهية والمسائل الواقعية التي تندرج تحتها، مع دراسات عن أهمية القواعد، ومدى الاعتماد عليها في الاستدلال.
٧ - قام بعض الباحثين باستقراء كتب الفقه في المذاهب لاستخراج القواعد
الفقهية الموجودة فيها، والمبثوثة في جنباتها، وترتيبها، وشرحها، وبيان الفروع والأحكام الفقهية التي سيقت لأجلها، مثل القواعد الفقهية من (الأم) للشافعي،
1 / 7
ومن (المغني) لابن قدامة، ومن (بدائع الصنائع) للكاساني، ومن (فتح القدير)
للكمال بن الهمام، و(المدونة) للإمام مالك، و(المعيار) للونشريسي.
و(زاد المعاد) لابن القيم، و(إعلام الموقعين) لابن القيم، وغير ذلك كثير.
٨ - اتجه التأليف والتصنيف بعد ذلك لكتابة الموسوعات في القواعد الفقهية التي تجمع بين مختلف المذاهب، وتستمد مادتها من مجموع الكتب السابقة، منها (موسوعة القواعد الفقهية) للبورنو، و(جمهرة القواعد الفقهية في المعاملات المالية) للندوي.
٩ - بلغ الاهتمام بالقواعد الفقهية الذروة والقمة بإنشاء معلمة القواعد الفقهية التي تبناها مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة، التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، لجمع كل النشأطات السابقة في أكبر موسوعة وعمل علمي دولي للقواعد، مع تحرير نصوص القواعد، والألفاظ المختلفة للقاعدة، والاستدلال لها، وبيان تطبيقاتها الفقهية، والتمثيل عليها بأمثلة عصرية، وذكر المستثنيات الفقهية لكل قاعدة من مختلف المذاهب، وبالاعتماد على الكتب الخاصة بالقواعد والأشباه والنظائر التراثية، ثم أمهات كتب الفقه في المذاهب.
وكان لي شرف المساهمة في هذا الخصوص، فكتبت بحثًا عن القواعد الفقهية (في مجلة البحث العلمي، جامعة أم القرى، العدد الخامس سنة ١٤٩٩ / ١٩٧٩ م)، ثم شاركت بمؤتمر في إسلام آباد (تشرين الأول/ أكتوبر ١٩٩٨ م) عن القواعد الفقهية في المذهب الحنفي، وعرضت القواعد الفقهية باختصار في كتابي (النظريات الفقهية) .
وشاركت باستخراج القواعد الفقهية من كتاب (الأم) للشافعي و(زاد المعاد) لابن القيم لمعلمة القواعد الفقهية، وألفت مرجعًا بعنوان.
(القواعد الفقهية على المذهب الحنفي والشافعي) لجامعة الكويت، وكلفت بتحكيم عدة بحوث علمية عن القواعد الفقهية.
وأردت إكمال المشوار، وإتمام العمل بهذا الكتاب عن.
(القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة) التزامًا بالخطة المذكورة في التقديم التالي، والمنهج المبين فيه، مع إضافة القواعد الكلية، والقواعد المختلف فيها في المذهبين المالكي والحنبلي، وبيان التطبيقات الفقهية في هذين المذهبين في القواعد الكلية الأساسية
والقواعد الكلية المشتركة في المذاهب الأربعة.
1 / 8
ونتج عن هذا الجمع والمزج في القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة، نتج ما يشبه الفقه المقارن، لبيان القواعد المتفق عليها في المذاهب الأربعة.
والتطبيقات الفقهية المتماثلة للقاعدة في المذاهب الأربعة، وتحررت القواعد التي انفرد فيها كل مذهب مع تطبيقاتها، وبيان الاختلاف في أدلة القواعد، وتعليل الأحكام، وتحرير محل النزاع، ولم يبق من منهج الفقه المقارن إلا مناقشة الأدلة والترجيح وهما مما وقف القلم عنهما، لأن ذلك يخرج عن دراسة القواعد وأسسها وتطبيقاتها.
ونسال الله العون والتوفيق، ونرجو منه القبول والثواب، وندعوه أن ينفع به
لكسب الأجر والثواب، وأن يدخره لنا ليوم الحساب والجزاء، وأن يُعيننا على إتمامه مع التمتع بالصحة والعافية، والرضا وحسن المآب، وأن يجزي الله زوجتي وأولادي الثواب على صبرهم علي بالتأليف، وأن ينفعهم بهذا العمل قبل غيرهم، وأن يحفظهم في دينهم وأهلهم وأولادهم.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الشارقة
في ١٨ / ٣ / ١٤٢٦ هـ ١٧ / ٤ / ٢٠٠٥ م
أبو أيمن
الأستاذ الدكتور محمد الزحيلي
عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعه الشارقة
وكيل كلية الشريعة للشؤون العلمية - جامعة دمشق - سابقًا
1 / 9
تقديم
الحمد لله حق حمده، الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، الحمد لله رب العالمين الذي خلق الإنسان، علمه البيان، وقال: (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٧٦) .
وقال: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (١١٤) .
والصلاة والسلام على رسول اللهء، معلم الناس الخير، ومنقذ البشرية.
وهادي الإنسانية، المبعوث رحمة للعالمين.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علمًا، واجعلنا من الذين
يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ومن الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساؤوا استغفروا، ومن الذين ورد فيهم قوله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣) .
وبعد:
فإن علم الفقه من أشرف العلوم، وفيه معرفة الحلال والحرام، ويتبلور فيه تطبيق الشريعة، وأحكام الله تعالى في الحياة، ولذلك قال فيه رسول الله
ﷺ " من يُردِ الله به خيرًا يفقهه في الدين " (١) .
ولذلك انكب عليه الصحابة والتابعون، ثم الأئمة المجتهدون، حتى نشأت المذاهب، وانتشرت، وشاعت، وكثر العلماء فيه، وانبرى
المفتون للإفتاء في بيان حكم الله تعالى للناس في جغ شؤون الحياة، لتحقيق أهداف الشريعة ومقاصدها، وتأمين الخير والسعادة والراحة والعدل في الدنيا قبل الآخرة.
_________
.
(١) رواه الإمام أحمد في المسند ٣/ ٩٤، ١/ ٣٠٦، والبخاري ١/ ٣٨، ومسلم ٧/ ١٢٨ عن معاوية ﵁ مرفوعًا.
1 / 10
ومن ضمن التأليف في علم الفقه، والتحصيل فيه، والتخصص به، نشأ علم
قواعد الفقه، وهو فن عظيم، تجمع فيه الأحكام الفرعية العديدة، والمسائل الجزئية المتناثرة في عبارات وجيزة، وجمل مصقولة، وتراكيب عامة وشاملة، تضبط علم الفقه، وتنسق أحكامه وعلله، وتقربه للأذهان، وتجعله سهل الحفظ والضبط، وتبعده عن النسيان، وتساعد في تكوين الملكة الفقهية، فكان الاعتناء بالقواعد الفقهية محل الإجلال والاحترام، بل والمنافسة في وجوه الخير، فصنفت فيه المؤلفات العدة في كل مذهب، وظهر مع مرور الأيام أهمية علم القواعد، والتأليف فيه، حتى تبوأ مرحلة التنظيم والتقنين، ثم تضافرت الجهود لإنشاء أعظم موسوعة للقواعد
باسم " مَعْلَمة القواعد الفقهية "، وتقرر تدريس القواعد الفقهية في الكليات
والدراسات العليا.
مشكلة البحث
إن وضع القواعد أولًا، والتأليف فيها ثانيًا، ودراستها وتدريسها ثالثًا، وشرحها ووضع الأمثلة والتطبيقات لها، والاستثناءات رابعًا، كانت تعتمد على المنهج المذهبى، وتقتصر على نطاق مذهب واحد، من المذاهب الفقهية العديدة، وكنا نجد الصعوبة والمتاعب عند التدريس والاعتماد على كتاب ومذهب، وتكثر الأسئلة والاستفسارات عن قواعد المذهب الآخر، وفروعه وأحكامه.
هدف البحث
أردت أن أجمع بين أهم قواعد المذهب الحنفي، وأهم قواعد المذهب المالكي، وأهم قواعد المذهب الشافعي، وأهم قواعد المذهب الحنبلي، في كتاب واحد، فعزمت على تصنيف هذا الكتاب، لأضع القاعدة الفقهية، وبيان أحكامها وفروعها من المذاهب الأربعة، بقدر الإمكان، وهي المذاهب التي يكز انتشارها في البلاد العربية، ويكثر اجتماعها في معظم المدن والأقطار، وتكثر فيها المؤلفات في القواعد.
وإن جمع التطبيقات من المذاهب يحقق منفعة مهمة للقاعدة، فيدل على عمومها
1 / 11
وشمولها وقبولها، مع بيان فروعها في كتب الفقه المتنوعة وأبوابه المختلفة في المذاهب الأربعة.
واعتمدت في ذلك على الكتب القديمة، وهي كتب القواعد والأشباه والنظائر في المذاهب الأربعة، كما اعتمدت أولًا على عدة كتب معاصرة، وهي:
١ - شرح القواعد الفقهية، للشيخ أحمد بن الشيخ محمد الزرقا.
٢ - القواعد الفقهية، للأستاذ عزت عبيد الدعاس، وفيها ترتيب للقواعد.
وتقسيمها إلى قواعد أساسية، وقواعد متفرعة عنها.
وهذان مختصان بقواعد " مجلة الأحكام العدلية " المأخوذة من المذهب الحنفي.
وعددها ٩٩ قاعدة حصرًا، مع أمثلتها وأحكامها ووردت فيهما بعض القواعد الكلية عَرَضًا في الشرح، فتضاف إلى القواعد السابقة، وهي في مجملها مستمدة من الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفي.
٣ - إيضاح القواعد الفقهية، للشيخ عبد الله بن سعيد محمد عبادي اللحجي الحضرمي الشحاري.
وقد اقتبس اللحجي قواعده من كتاب "الأشباه والنظائر في الفقه الشافعي "
للسيوطي، مع أمثلتها، وقام الفقيه عبد الله بن سليمان الجَرْهَزي اليمني الزبيدي (١٢٠١ هـ) وشرح منظومة في القواعد، فاعتمد اللحجي على كتاب السيوطي، وشرح الجَرْهَزي، وهو المقصود عنده باصطلاح الشارح، وذكر الأمثلة والأحكام والفروع والمسائل في المذهب الشافعي حصرًا، وقمت بالجمع بين المذهبين، ونقلت
1 / 12
العبارات مع التصرف، وزيادات قليلة، وتعديلات طفيفة إذا احتاج الأمر، ثم أضفت قواعد المذهب المالكية وقواعد المذهب الحنبلي.
٤ - القواعد الفقهية من خلال كتاب الإشراف للقاضي عبد الوهاب البغدادي المالكي، للدكتور محمد الروقي، وفيه كثير من القواعد الفقهية في المذهب المالكي.
٥ - تطبيقات قواعد الفقه عند المالكية، للأستاذ الدكتور الصادق بن عبد الرحمن الغرياني، الذي جمع معظم القواعد الفقهية، ثم بيّن تطبيقاتها الفقهية عند المالكية، ثم ألحق بها الضوابط وأمثلتها الفقهية.
٦ - القواعد والضوابط الفقهية للمعاملات المالية عند ابن تيمية، للأستاذ عبد السلام بن إبراهيم بن محمد الحصين، وهي في المذهب الحنبلي غالبًا.
٧ - إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك، لأبي العباس أحمد بن يحى الونشريسي، (٩١٤ هـ) تحقيق أحمد بوطاهر الخطابي.
٨ - القواعد، لأبي عبد الله محمد بن محمد بن أحمد المقري (٧٥٨ هـ) تحقيق الدكتور أحمد بن عبد الله بن حميد.
٩ - تقرير القواعد وتحرير الفوائد - القواعد ل (ابن رجب، عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي (٧٩٥ هـ) تحقيق أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان.
١٥ - الفروق، لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي (٦٨٤ هـ) .
١١ - القواعد الكلية، والضوابط الفقهية، ليوسف بن الحسن بن عبد الهادي الحنبلي.
١٢ - مختصر من قواعد العلائي وكلام الإسنوي، محمود بن أحمد الحموي، المعروف بابن خطيب الدهشة (٨٣٤ هـ) .
وغير ذلك من الكتب مثل موسوعة القواعد الفقهية لبورنو، وجمهرة القواعد
الفقهية للندوي، والقواعد الفقهية للدكتور يعقوب الباحسين، وغيرها مما سيرد في الحواشي وقائمة المصادر.
1 / 13
منهح البحث
١ - وضعت القاعدة الفقهية في الأول، ثم كتبت الألفاظ الأخرى إن وجدت، فإن اتفقت العبارة في إيراد القاعدة فقد حصل المقصود، ثم قمت بتوضيح معنى القاعدة، وبيان المقصود منها، وتحديد المراد من ألفاظها بشكل عام ومشترك، مع بيان الأدلة ومستند القاعدة، ثم ذكرت جميع الأمثلة الواردة في كتاب، أو اثنين، أو ثلاثة، ثم أثبتُ الاستثناء كذلك، مع بيان الرجع لكل فرع أو مسألة أو مثال من المصدر الذي أخذ منه لتحديد المذهب لكل فرع، ثم أضع مرجع القاعدة من سائر الكتب والمصادر.
٢ - اقتصر غالبًا على بعض الأمثلة والتطبيقات والأدلة، وأثبتُ في نهاية كل مثال المصدر الذي أخذ منه، وذلك في الصلب وليس في الهامش، لمساعدة القارئ في المتابعة حتى لا يتشتت نظره، وفي نهاية التوضيح والأمثلة، والتطبيقات والمستثنى أحدد مصادر الشرح والتطبيق والاستثناء أيضًا.
٣ - نظرًا لأثر "مجلة الأحكام العدلية" العظيم على تقنين القواعد وتنظيمها في مواد، حتى تبعها في ذلك عدد من القوانين المعاصرة، واختارت ٩٩ قاعدة في ٩٩ مادة، ولأن المجلة أول تقنين معاصر للفقه الإسلامي، فقد أحلنا إلى قواعد المجلة خاصة، ومواد المجلة عامة.
ووضعنا الإحالة بين قوسين (م/. . .) .
٤ - اكتفيت بعزو الآيات إلى السورة ورقمها، ورقم الآية، ثم بعزو الأحاديث إلى من خرجها من أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد، مع الإحالة التفصيلية للجزء والصفحة.
٥ - إن القواعد الخمس الرئيسة متفقة بين المذاهب الأربعة، مع اختلاف أحيانًا في الفروع والمسائل والجزئيات التي تدخل تحتها، ولذلك جاءت هذه القواعد في الأول.
1 / 14
٦ - إن القواعد الكلية الأربعين عند السيوطي يتفق بعضها مع قواعد المجلة، وقواعد المذهبين المالكي والحنبلي، فكنت أجمع بينها في الشرح والتطبيق والاستثناء مع تحديد المرجع والمصدر، لتحديد الحكم من المذاهب الأربعة أو من بعضها.
٧ - انفرد كل مذهب ببعض القواعد الفقهية الكلية، ولكن كثيرًا من هذه القواعد تتفق في مضمونها ومدلولها ومعظم تطبيقاتها مع المذهب الثاني، وخاصة القواعد التي انفردت بها المجلة، مثل قاعدة " المرء مؤاخذ بإقراره " (م/ ٧٩)، وقاعدة "الثابت بالبرهان كالثابت بالبيان " (م/ ٧٥)، وقاعدة " البيِّنة على المدعي واليمين على من أنكر" (م/ ٧٥)، وقاعدة " البينة حجة متعدية، والإقرار حجة قاصرة" (م/١٧٨، وقاعدة "البينة لإثبات خلاف ظاهر واليمين لإبقاء الأصل " (م/ ٧٧)
وقاعدة "لا حجة مع التناقض لكن لا يختل معه حكم الحاكم " (م/ ٨٥)، وقاعدة " جناية العجماء جُبار" (م/ ٩٤)، وقاعدة " الغُرْم بالغُنْم " (م/ ٨٥)، وقاعدة "إذا تعذر إعمال الكلام يهمل " وغيرها فإنها ثابتة في المذاهب الأخرى.
وكذلك القواعد التي انفرد بها المذهب الشافعي تتفق في مضمونها وأحكامها مع المذهب الحنفي، ولذلك نص عليها ابن نجيم في "الأشباه والنظائر" وأشرت إليها، وكذلك مع المذهب المالكي والمذهب الحنبلي.
ولذلك كانت دراسة بعض القواعد في مذهب واحد، مع أنها متفق عليها، تدل على الطابع الخاص لدراسة قواعد كل مذهب، فقواعد الحنفية - هنا - أكثرها من مجلة الأحكام العدلية المختصة بالمعاملات المالية والإثبات، أما قواعد الشافعية الخاصة فأكثرها في العبادات وبعضها في أبواب الفقه الأخرى، وبعضها مختلف فيه في التطبيقات والفروع في المذهب الشافعي نفسه، كما سترى، والقواعد عند المالكية والحنابلة متنوعة أيضًا.
٨ - أثبتُ الفوائد والتنبيهات الواردة في نهاية القاعدة المتصلة بها، وذلك لأهميتها، وفائدتها، وما فيها من علم، ثم وضعت عناوين جانبية لكثير من التنبيهات والفوائد التي وردت بعد القواعد؛ ليعرف القارئ مضمون التنبيه من عنوانه.
٩ - كنت أود حذف جميع الأمثلة التي تتعلق بالعبيد والرق والعتق، لعدم وجود
1 / 15
تطبيق عملي لها في الحياة، وإلغاء الرق عالميًا، ولكن اضطررت لذكر أقل قدر من ذلك لأنها واردة في المراجع السابقة من جهة، ولتعلق القاعدة بها من جهة ثانية، ولوجودها في كتب الفقه الأصلية من جهة ثالثة.
خطة البحث
وضعت تمهيدًا لتعريف القواعد، ونشأتها، وأهميتها، ومصادرها، وأهم كتب القواعد في المذاهب الفقهية الأربعة، واهتمام المجلة والعلماء بالقواعد في عصرنا الحاضر.
ثم خصصت القواعد الخمس بباب مستقل مع بيان القواعد المتفرعة عنها، ثم
ذكرت القواعد الكلية المتفق عليها في المذاهب: الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، ثم القواعد الكلية الواردة في المذهب الحنفي، ثم القواعد الكلية الواردة في المذهب المالكي حصرًا، ثم القواعد الكلية الواردة في المذهب الشافعي حصرًا، ثم القواعد الكلية الواردة في المذهب الحنبلي، ثم القواعد المختلف فيها في المذهب المالكي، ثم المذهب الشافعي، ثم المذهب الحنبلي، ولذلك جاء الكتاب في باب تمهيدي، وتسعة أبواب، كما يلي:
الباب التمهيدي: في تعريف القواعد الفقهية وفوائدها وأهميتها وكتبها.
الباب الأول. في القواعد الخمس الرئيسية الأساسية وما يتفرع عنها من قواعد.
الباب الثاني: في القواعد الكلية المتفق عليها في المذاهب الحنفي والمالكي
والشافعي والحنبلي.
الباب الثالث: في القواعد الفقهية التي وردت في المذهب الحنفي.
الباب الرابع: في القواعد الفقهية الكلية في المذهب المالكي.
الباب الخامس: في القواعد الفقهية الكلية التي وردت في المذهب الشافعي.
الباب السادس: القواعد الفقهية الكلية التي وردت في المذهب الحنبلي.
1 / 16
الباب الثامن: في القواعد المختلف فيها في المذهب الشافعي.
الباب التاسع: في القواعد المختلف فيها في المذهب الحنبلي.
الباب العاشر: في القواعد المختلف فيها في المذهب الحنفي.
الخاتمة، والفهارس.
وأسال الله تعالى أن يبارك لي في هذا العمل، وأن يكتب لي فيه الأجر والثواب، وأن يتقبله مني، ويجعله في ميزان الحسنات، وأن ينفع به، ليبقى ذكرًا في الدنيا، وذخرًا للآخرة.
1 / 17
الباب التمهيدي
تعريف القواعد الفقهية وفوائدها وأهم كتبها
أولًا: نبدة تاريخية عن ظهور القواعد الفقهية
بدأ التشريع الإسلامي في العهد النبوي، ومع نزول القرآن الكريم، وبيانه في السنة النبوية، لمعرفة أحكام الشرع في جميع شؤون الحياة.
ثم بدأت الحركة الفقهية بالظهور بعد وفاة النبي ﷺ وقام الصحابة والتابعون، ومن بعدهم الأئمة والمجتهدون والعلماء والفقهاء باستنباط الأحكام الفقهية من المصادر الشرعية.
وشمروا عن سواعدهم لاستخراج حكم المسائل والقضايا من الكتاب الكريم.
والسنة الشريفة، والاجتهاد بواسطة بقية المصادر، لاعتقادهم أن لكل قضية أو أمر من أمور الدنيا حكمًا لله تعالى، وأنهم المكلفون ببيان هذه الأحكام، ومسؤولون أمام الله تعالى عن ذلك.
فإذا حدث أمر، أو طرأت حادثة، أو أثيرت قضية، أو وقع نزاع، أو استجد بحث، رجع الناس والحكام إلى العلماء والفقهاء والمجتهدين لمعرفة حكم الله تعالى في ذلك، وأحسَّ العلماء بواجبهم نحو هذه الأمانة والمسؤولية الملقاة على عاتقهم، فنظروا في كتاب الله، فإن وجدوا فيه نصًا صريحًا بينوه للناس، وإن لم يجدوا رجعوا إلى السنة دراسة وبحثًا وسؤالًا، فإن وجدوا فيها ضالتهم المنشودة أعلنوها ووقفوا عندها، وإن لم يجدوا نصًا في كتاب ولا سنة شرعوا في الاجتهاد وبذل الجهد والنظر في الكتاب والسنة وما يتضمنان من قواعد مجملة، ومبادئ عامة، وأحكام أصيلة.
ومن إحالة صريحة أو ضمنية إلى المصادر الشرعية الأخرى، ويعملون عقولهم في فهم
1 / 19
النصوص وتفسيرها، وتحقيق مقاصد الشريعة، وأهدافها العامة، ليصلوا من وراء ذلك إلى استنباط الأحكام الفقهية وبيان الحلال والحرام، ومعرفة حكم الله تعالى.
وتكوَّن من عملهم مجموعة ضخمة من الأحكام الشرعية والفروع الفقهية، وقاموا بواجبهم أحسن قيام في مسايرة التطور، ومواكبة الفتوح، ورسم المنهج الإلهي في حياة الفرد والمجتمع والدولة، لتبقى مستظلة بالأحكام الشرعية في كل صغيرة أو كبيرة.
ويظهر من ذلك أن الفقه الإسلامي بدأ من الفروع والجزئيات، واستمر على هذا المنوال طوال القرن الهجري الأول، وظهر خلال القرن الثاني عوامل جديدة، وطرق مختلفة، وتطورات ملموسة، منها ظهور الفقه الافتراضي الذي اتجه إلى مسابقة الزمن، واستباق الحوادث، وافتراض القضايا، وما يستجد من المسائل، لبيان أحكامها الشرعية، كما ظهر أئمة المذاهب الذين دونوا أحكامهم، وتميزت اجتهاداتهم.
وتحددت قواعدهم وأصولهم في الاستنباط والاجتهاد، واستقل كل مذهب بمنهج معين في بيان الأحكام، معتمدين على القواعد والأصول التي يسيرون عليها.
وهنا برزت للوجود ثلاثة أنواع من القواعد، وهي:
١ - قواعد الاستنباط والاجتهاد، وهي السبل التي يعتمد عليها المجتهد، ويستعين بها في معرفة الأحكام من المصادر، وهي قواعد علم أصول الفقه.
٢ - قواعد التخريج، التي وضعها العلماء لرواية الأحاديث، وتدوين السنة، وضبط الروايات، وقبول الأسانيد، والحكم عليها بالصحة أو الضعف، والجرح والتعديل، للاعتماد على الصحيح في الاجتهاد والاستنباط، وترك الضعيف، وتجنب الواهي، والحذر من الموضوع، وهذه القواعد هي: مصطلح الحديث، أو أصول الحديث، أو قواعد التحديث.
1 / 20
٣ - قواعد الأحكام، وهي القواعد التي صاغها العلماء، وبخاصة أتباع الأئمة ومجتهدو المذاهب، لجمع الأحكام المتماثلة، والمسائل المتناظرة، وبيان أوجه الشبه بينها، ثم ربطها في عقد منظوم، يجمع شتاتها، ويؤلف بين أجزائها، ويقيم صلة القربى في أطرافها، لتصبح عائلة واحدة، وأسرة متضامنة، وهي القواعد الكلية في الفقه الإسلامي، أو القواعد الفقهية.
يحدثنا الإمام القرافي عن وجود هذه القواعد فيقول:
"إن الشريعة المحمدية اشتملت على أصول وفروع، وأصولها قسمان:
أحدهما: المسمى بأصول الفقه، وهي في غالب أمره ليس فيها إلا قواعد
الأحكام الناشئة عن الألفاظ العربية، وما يعرض لتلك الألفاظ من النسخ
والترجيح، ونحو: الأمر للوجوب، والنهي للتحريم. . إلخ.
والقسم الثاني: قواعد كلية جليلة، كثيرة العدد، عظيمة المدد، مشتملة على أسرار الشرع وحِكَمه لكل قاعدة من الفروع في الشريعة ما لا يحصى، ولم يذكر منها شيء في أصول الفقه، وإن كان يشار إليها هناك على سبيل الإجمال، ويبقى تفصيله لم يتحصل. . ".
وهذه القواعد التي أشار إليها القرافي، وبيَّن نشأتها هي مناط البحث في هذه
الدراسة لتعريفها، وبيان فائدتها، وأهم كتبها، وعرض أنواعها وما يتفرع عنها.
ثانيًا، تعريف القواعد الفقهية
القواعد: جمع قاعدة، والقاعدة لغة: الأساس، ومنه قواعد البناء وأساسه.
قال الله تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ) .
والقاعدة في الاصطلاح بمعنى الضابط، وهي الأمر الكلي المنطبق على جميع
1 / 21
جزئياته، فالقاعدة: قضية كلية يدخل تحتها جزئيات كثيرة، وتحيط بالفروع
والمسائل من الأبواب المتفرقة.
والقاعدة إما أن تطبق على جميع الفروع التي تدخل تحتها، كما سبق في التعريف.
وإما أن تشمل غالبَ الجزئيات أو أكثرها، ويخرج عنها بعض الفروع والجزئيات التي تعتبر استثناءات، وقد تطبق عليها قاعدة أخرى، ولذلك عرفها الحموي في (حاشيته على الأشباه والنظائر) بأنها:
"حكم أغلبي ينطبق على معظم جزئياته ".
وقد اخترنا التعريف الأول الذي يفيد انطباق القاعدة على جميع الجزئيات، لأن الأصل فيها أن تكون كذلك، وأن خروج بعض الفروع عنها لا يضر ولا يؤثر، وتكون استثناء من القاعدة، لأن كل قاعدة أو مبدأ أو أصل له استثناء، وهذا الاستثناء لا يغير من حقيقة الأصل أو المبدأ، وقد صرحت مجلة الأحكام العدلية بهذا فقالت في المادة الأولى منها:
"ثم إن بعض هذه القواعد، وإن كان بحيث إذا انفرد
يوجد من مشتملاته بعض المستثنيات، لكن لا تختل كليتها وعمومها من حيث المجموع، لما أن بعضها يخصص ويقيد بعضًا ".
ثالثًا: الفرق بين القاعدة والضابط
القاعدة: بمعنى الضابط في الأصل، لكن يميز العلماء بين القاعدة والضابط
عمليًا وفي القرون الأخيرة بأن القاعدة تحيط بالفروع والمسائل في أبواب فقهية مختلفة، مثل قاعدة " الأمور بمقاصدها" (م/ ٢) فإنها تطبق على أبواب العبادات، والجنايات، والعقود، والجهاد، والأيمان، وغيرها من أبواب الفقه.
1 / 22
أما الضابط فإنه يجمع الفروع والمسائل من باب واحد من الفقه، مثل
"لا تصوم المرأة تطوعًا إلا بإذن الزوج أو كان مسافرًا "
ومثل "أيما إهاب دُبغ فقد طَهُر"
وهو نص حديث شريف، ومثل "كل ماء مطلق لم يتغير فهو طهور"
ومثل "الكفار مخاطبون بفروع الشريعة" عند الشافعية.
ومثل "الإسلام يجبُّ ما قبله في حقوق الله.
دون ما تعلق به حق آدمي كالقصاص وضمان المال ".
يقول السيوطي: " لأن القاعدة تجمع فروعًا من أبواب شتى، والضابط يجمع فروعَ بابِ واحد".
ويقول أبو البقاء بعد تعريف القاعدة: "والضابط يجمع فروعًا من
باب واحد".
وإن هذا التفريق بين القاعدة والضابط عند معظم العلماء فقط، كما أنه ليس
تفريقًا حتمًا جازمًا، فقد يذكر كثير من العلماء قواعد فقهية، وهي في حقيقتها مجرد ضابط، كما سيمر معنا.
رابعًا: الفرق بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية
رأينا أن العلماء وضعوا قواعد أصولية للاستنباط والاجتهاد، وكان تدوينها
مبكرًا وسابقًا على القواعد الفقهية، وأول من دونها وجمعها في كتاب مستقل الإمام الشافعي رحمه الله تعالى (ت ٢٠٤ هـ) في كتا به (الرسالة) ثم تطورت وتوسعت وانتشرت وعمت المذاهب.
1 / 23
كما وضع الأئمة والعلماء قواعد فقهية لجمع الأحكام المتشابهة، والمسائل
المتناظرة، وكانت مبعثرة في الكتب والأبواب الفقهية، وتأخر تدوينها وجمعها بشكل مستقل، كما سنرى.
وصرح القرافي بالنوعين السابقين، وميز بينهما، لكنه جمع في كتابه (الفروق) بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية، وكذلك فحل السيوطي الشافعي، وابن نجيم الحنفي، وابن اللحام الحنبلي، في كتابه (القواعد والفوائد الأصولية) وغيرهم.
ويمكن التمييز بين النوعين بما يلي:
١ - إن القواعد الأصولية ناشئة في أغلبها من الألفاظ العربية، والقواعد العربية، والنصوص العربية، كما صرح القرافي سابقًا، أما القواعد الفقهية فناشئة من الأحكام الشرعية، والمسائل الفقهية.
٢ - إن القواعد الأصولية خاصة بالمجتهد، يستعملها عند استنباط الأحكام
الفقهية، ومعرفة حكم الوقائع والمسائل المستجدة في المصادر الشرعية، أما القواعد الفقهية فإنها خاصة بالفقيه، أو المفتي، أو المتعلم الذي يرجع إليها لمعرفة الحكم الموجود للفروع، ويعتمد عليها بدلًا من الرجوع إلى الأبواب الفقهية المتفرقة.
٣ - تتصف القواعد الأصولية بالعموم والشمول لجميع فروعها، أما القواعد الفقهية فإنها، وإن كانت عامة وشاملة، تكثر فيها الاستثناءات، وهذه الاستثناءات تشكل أحيانًا قواعد مستقلة، أو قواعد فرعية، وهذا ما حدا بكثير من العلماء لاعتبار القواعد الفقهية قواعد أغلبية، وأنه لا يجوز الفتوى بمقتضاها.
٤ - تتصف القواعد الأصولية بالثبات، فلا تتبدل ولا تتغير، أما القواعد الفقهية فليست ثابتة، وإنَّما تتغير - أحيانًا - بتغير الأحكام المبنية على العرف، وسد الذرائع، والمصلحة وغيرها.
1 / 24