271

Qawāʿid fī al-sulūk ilā Allāh taʿālā

قواعد في السلوك الى الله تعالى

Genres

عن البصائر شاهده طرفة عين ، بل صارت مشاهدة عظمته مقرونة بمجاري الأنفاس، وحركات الجسم والحواس، ألفت الأرواح آثار الجلال فلم تسكن إلى سواه، ولم تنظر إلى غيره مما عداه، فجدير أن يقرب نفسه بين يدي خالقه قربانا؛ شكرا لما وهبه من معرفته.

فمن عرف ربه في الدنيا؛ فكأنما زاره ووصل إليه، ومن عرف الرسول صلى الله عليه وسلم ولاحت له شواهد معرفته وخصوصيته في معجزاته، فكأنما سافر إليه ورآه عيانا، وقد رآه حقيقة ببصيرته، وهي أنفذ من رؤية الأبصار في الأسرار.

وإن كان الحس أقوى باعتبار الوجود الحسي، فالباطن أقوى باعتبار البصر القلبي، والانجذاب الروحي؛ فقد يرى البصر ما لا ينجذب إليه، فإذا رأى بالبصيرة ما جذب كليته؛ كان أقوى من مشاهدة المحسوسات.

وشكر هذه النعمة أن يقرب وجوده بين يدي محبوبه، وهذا شيء مجمل يعرف تفاصيله من دخل فيه.

ومن تفاصيله: تقديم العبد بين يدي مولاه عمله الظاهر، يعبد ربه بذلك؛ كصلاة، أو تلاوة، أو ذكر، أو مراقبة، مع تقدمة همومه وأفكاره وخواطره وإراداته وأعماله ونياته ومقاصده في جميع سعاياته الظاهرة والباطنة شيئا فشيئا على التدريج ، حتى تسكن المحبة في جميع المفاصل والعروق، حتى يقرب المحبوب من جميع العبد؛ فإن هم فله، وإن نطق فله وبه، أو أراد فبأمره ومعونته، أو اختار فباختياره، أو أحب فإياه، والشيء الذي يحبه بحيث لا يخلو العبد قط

Page 293