Qawaʿid fi al-suluk ila Al-lah taʿala
قواعد في السلوك الى الله تعالى
Genres
عبادة ربه؛ لأنه إقرار وعبادة بما تراه بصيرته من جلاله وعظمته، وذلك أنهى العبادات وأرفعها، خصوصا إذا انضم إلى ذلك عبادة الجسم، من صلاة أو تلاوة أو ذكر كان في غاية الكمال، بخلاف العابد الذي ينظر إلى الشمس من وراء حائط بعلم اليقين فهو موقوف على دوام نظره، فهذا يلحقه الملال، فيحتاج أن يستريح ليعود إلى فكره.
فعبادة هذا في صلاته وتلاوته : التفكر والإيمان، فإذا فتر ومل لم يكن له ما يهجم عليه، مما لا يقدر أن يدفعه عنه، ولا يستظل بظل يستره، فتضطر رويته إلى الشعور به، فليس له مثل هذا الحال، فيلحقه الضجر والملال والكلال، وربما فتر أسبوعا أو شهرا، وربما سلب حاله فعاد إلى الغفلة؛ فإن حالة الهمة لا غير، فمتى فترت الهمة عاد إلى العادة.
والعارف خرق بهمته حجب الأكوان، وطلع عليه شموس المعرفة، فلم يبق له ليل يستره عن الصبح، ولا جدار يحجبه عن الشمس؛ فأينما تقلب فحرارة الشمس تقرعه، فإن تأمل فضوؤها يبهره، فإن غفل عنها فمتى فتح بصره وجدها، فعبادته دائمة، وروحه متصل، وهو مع ذلك يترقى من ذكر الشمس بما يراه منها، إلى ما كمن فيها من الصفات، التي لا يحيط بها؛ ليكون ذكره أكمل من شهوده، ليذكر الأمر على ما هو عليه ، لا على مجرد علمه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد، وآله وصحبه وسلم.
Page 262