قال إبراهيم الفار بتحد: ثلاثتنا بين الخمسين والخمسة والخمسين، فهل تكاشفاننا بعمركما؟
هزت زبيدة كتفيها استهانة، وقالت: أنا ولدت ...
ثم ضاقت عيناها المكحولتان وهما ترفعان إلى المصباح في حال تذكر، غير أن السيد أحمد عاجلها متمما ما توقفت عن إتمامه: عقب ثورة سعد باشا؟
ضحكوا طويلا حتى ألعبت لهم الوسطى، ولكن جليلة لم ترحب بالحديث فيما بدا، فصاحت بهم: دعونا من هذه السيرة المقطرنة، ما لنا نحن والأعمار! ليسأل عنها صاحب الأمر في سماواته، أما نحن فالمرأة منا شابة ما وجدت من يرغب فيها، والرجل منكم شاب ما وجد من ترغب فيه.
هتف علي عبد الرحيم بغتة: هنئوني!
وسئل عما يهنأ عليه، فواصل الهتاف قائلا: سكرت.
قال أحمد عبد الجواد: إنهم ينبغي أن يلحقوا به قبل أن يضل وحده في عالم السكر، حثتهم جليلة على أن يتركوه وحده جزاء تعجله، آوى علي عبد الرحيم في ركن وفي يده كأس مترعة وهو يقول لهم: ابحثوا عن ساق غيري، قامت زبيدة إلى حيث تركت ملابسها الخارجية، وفحصت في حقيبتها عن حق الكوكايين حتى اطمأنت إلى أنه في مكانه، اغتنم إبراهيم الفار فرصة خلو مكان زبيدة فجلس فيه، ثم أسند رأسه إلى كتف جليلة وهو يتنهد بصوت مسموع، نهض محمد عفت إلى النافذتين المطلتين على النيل، وأزاح الخصاص عنهما جانبا فلاح سطح الماء ظلمات متحركة عدا خطوط من الضياء الهادئ رسمتها على الأمواج الأشعة المرسلة من مصابيح الذهبيات الساهرة، لعبت زنوبة بأوتار العود محدثة نغمة راقصة فاتجهت عينا السيد أحمد إليها مليا ثم قام ليملأ كأسه لنفسه، عادت زبيدة فجلست بين محمد عفت وأحمد عبد الجواد وهي تضرب الأخير على سلسلة ظهره، علا صوت جليلة وهي تغني:
يوم ما عضتني العضة ...
هتف إبراهيم الفار بدوره: هنئوني ... اشترك محمد عفت وزبيدة في غناء جليلة عند جملة: «وجابولي طاسة الخضة» اشتركت زنوبة في الأغنية، فعاود السيد أحمد النظر إليها وما يدري إلا وهو ينضم إلى المغنين. جاء صوت علي عبد الرحيم من ركن الحجرة مؤيدا، هتف إبراهيم الفار ورأسه لا يزال مسندا إلى كتف جليلة: مغنون ستة وسميع واحد هو أنا، قال السيد أحمد لنفسه دون أن يتوقف عن الغناء: سوف تلبي وهي من الرضا والسرور في نهاية، ثم ساءل نفسه أيضا: ألليلة عابرة أم معاشرة طويلة؟ قام إبراهيم الفار فجأة واندفع يرقص، جعل الجميع يصفقون على الواحدة ثم غنوا معا:
خدني في جيبك بقه ... بين الحزام والمنطقة.
Unknown page