220

قال علي عبد الرحيم مازحا، وهو يتظاهر بالاحتجاج: لا تسبي دمها فإن دمها هو دمك.

ولكن زبيدة قالت جادة: دمي بريء منها.

وهنا سألها السيد أحمد: من كان أباها يا ترى؟ - أباها!

ندت هذه الكلمة عن إبراهيم الفار بصوت أنذر بسيل من السخريات، ولكن محمد عفت بادره قائلا: تذكر أن الحديث عن حرم ياسين!

فزايلت وجه الفار هيئة المزاح ولاذ بالصمت في شيء من الارتباك، على حين عادت زبيدة تقول: أما أنا فلا أهزل فيما أقول عنها، وطالما رمقتني بعين الحسد، وطمعت في منافستي وهي في رعايتي، فكنت أداريها وأغض عن مساوئها، (ثم وهي تضحك) كانت تحلم بأن تكون عالمة!

ورددت عينيها في الحاضرين، ثم قالت بلهجة ساخرة: لكنها أفلست فتزوجت!

تساءل علي عبد الرحيم في إنكار: هل الزواج في عرفك إفلاس؟

فضيقت له عينا، ورفعت حاجب الأخرى، وهي تقول: نعم يا عمر! ... العالمة لا تهجر التخت حتى تفلس.

وهنا غنت جليلة هذا المقطع: «أنت المدام يا روحي أنت آنستنا!» فابتسم السيد ابتسامة عريضة، وحياها بآهة لطيفة وشت بانبساطه، غير أن علي عبد الرحيم نهض مرة أخرى وهو يقول: لحظة سكوت حتى نستوعب هذه الكأس.

وملأ الكئوس ووزعها بينهم، ثم عاد بكأسه إلى مجلسه. وقبض أحمد عبد الجواد على كأسه ولحظ زبيدة، فالتفتت نحوه باسمة، ورفعت يدها بكأسها كأنما تقول له: «صحتك» ففعل مثلها وتشاربا، وجعلت في أثناء ذلك ترنو إليه بنظرة باسمة، مضى عام دون أن تثب به رغبة إلى طلاب امرأة. كأن التجربة القاسية التي امتحن بها قد أخمدت حماسه، أو لعله الكبرياء، أو لعله المرض، غير أن نشوة الخمر، ونظرة التودد، حركتا فؤاده فاستشعر عذوبة الإقبال بعد مرارة الصد، واعتدها تحية طيبة من الجنس الذي هام به حياته، لعلها تضمد جرح كرامته التي قست عليها الخيانة وتقدم العمر، وكأن ابتسامة زبيدة الناطقة كانت تقول له: «لم يول عهدك بعد!» فلم يحول عن نظرتها عينيه ولم يلغ ابتسامته.

Unknown page