Qanat Suways
إنجلترا وقناة السويس: ١٨٥٤–١٩٥١م
Genres
ولقد وجدت نغمة موريسون ترديدا في بعض الصحف الإنجليزية، فتقول صحيفة «الأبزرفر» (عن الأهرام 20 أغسطس): أوضح هربرت موريسون أنه بينما ترغب بريطانيا في الوصول إلى اتفاق مع مصر بشأن هذه القاعدة، ستحافظ بريطانيا على تلك القاعدة وتتمسك بها في فترة التوتر الراهنة رضيت مصر أو لم ترض ... وهذه ضرورة مؤلمة، ولكن يجب ألا يعمينا النزاع مع مصر عن حاجتنا إلى الارتباط معها برباط الصداقة والود، ويجب علينا أن نواصل مساعينا لجعل مصر تشترك في حلف عام يضم دول الشرق الأوسط حتى تبدو القواعد الموجودة على أرضها جزءا من نطاقها الدفاعي، وأغلب الظن أن يكتب لهذه السياسة النجاح إذا كان واضحا أننا نزمع بتأييد الأمريكيين التمسك بمنطقة القناة، وأن الاحتجاجات مهما كانت لن تبدل هذا القرار أو تغير منه شيئا ...
وأما من ناحية الجانب المصري، فلقد وجد وزير الخارجية المصرية ضرورة الرد على تصريح موريسون الذي أحدث رجة كبيرة في مصر، ففي 6 أغسطس في البرلمان المصري تحدث عن الاحتلال وآثاره السيئة، وأبان عن تواكل إنجلترا وتخاذلها في أمر تسليح الجيش المصري، ورد على فكرة موريسون بوجود خطر الحرب ماثلا، فقال: «ومتى خلص العالم من خطر الحرب؟! ... وسيكون على الدوام خلاف دولي يلبس ثوب خطر الحرب، ويجوز القول بأنه يهدد السلام، فهل يمكن أن يطالبنا منصف بأن نقبل على سيادتنا واستقلالنا عار الاحتلال أبد الآبدين؟! ...» وأبان عن تمسك مصر بحقوقها ومطالبها، واستمساكها بميثاق هيئة الأمم المتحدة، وأعلن أن مستر موريسون بخطابه هذا قد أوصد باب المفاوضات.
لقد وجدت الحكومة المصرية إذن «عمق الهوة» التي تفصل بين وجهتي نظر الطرفين، وذلك كما يقول بيان رفعة النحاس باشا في 8 أكتوبر: «لإصرار الحكومة البريطانية على سياستها الاستعمارية القديمة، سياسة ادعاء المسئوليات وانتحال التبعات ومقاومة الحقوق الوطنية بشتى الحجج والتعلات.»
اعتبرت الحكومة المصرية تصريح وزير الخارجية البريطانية إغلاقا صريحا لباب المفاوضات بين الدولتين، ولكن مستر موريسون تراجع، وفي خطاب خاص له إلى الحكومة المصرية ذكر أن الباب لا زال مفتوحا، فالحكومة البريطانية تدرس مشروعا جديدا لعلاج وسائل الدفاع، وأجابت الحكومة المصرية بأن جلاء القوات البريطانية عن قناة السويس ليس كل القضية المصرية، وإنما هو جزء منها، وأن القضية المصرية كل لا يتجزأ، واكتفت الوزارة البريطانية بالصمت، فلم تستطع أن تعين موعدا محدودا لإرسال مقترحاتها الجديدة.
وهكذا كانت الحكومة البريطانية تؤجل في ردودها، وإذا خرجت عن الصمت لا تعطي رأيا واضحا نهائيا، وتحاول كسب الوقت، فالانتظار لا يضيرها ولا يضعف مركزها، ويظهر أن الحكومة البريطانية لم توجه إلى علاقاتها مع مصر ما يلزمها من عناية ودراسة تتفق ونمو الوعي القومي المصري، وخضعت لآراء العسكريين ورجال الحرب، فلم تحاول فهم وجهة النظر المصرية.
والواقع أن موريسون الذي تولى وزارة الخارجية البريطانية بعد موت إرنست بيفن كان حديث عهد بأمور السياسة الخارجية، وليست لديه خبرة عملية في ذلك الميدان، وليس له العزم لتنفيذ ما يرى، فهو يقدم رجلا ويؤخر أخرى، وسرعان ما تراكمت عليه المشاكل من كل جانب، وتجمعت المصاعب أمامه بشكل خطر، فازداد الموقف الدولي تعقدا بالنسبة لإنجلترا، لقد كان موقف الحكومة العمالية صعبا في البرلمان، فلقد أصر المحافظون على إثارة المشاكل أمامها، وهاجموا سياستها نحو مصر، وأعلنوا عن خشيتهم من أن تضيع وزارة العمال الامتيازات التي حصلت عليها بريطانيا بمقتضى معاهدة سنة 1936، ونعوا عليها سياسة التهدئة التي تتبعها.
وليت الأمر اقتصر على هذا الحد، فلقد ازدادت حالة المالية البريطانية سوءا أمام حركة التسابق إلى التسلح، واختلفت إنجلترا مع الولايات المتحدة بشأن مسألة التسلح ومسألة الاعتراف بالصين الشيوعية والحرب الكورية، ثم انقسم حزب العمال على نفسه، فريق يرى الاستمرار في سياسة التسلح مهما كلف إنجلترا الأمر، وفريق يرى ألا تكلف إنجلترا نفسها في هذا الميدان ما لا تطيق، فحذر أنيورين بيفان، أحد الوزراء المنشقين، بريطانيا من السير في ركاب فوضى الرأسمالية الأمريكية، وتوقع انتشار البطالة وازدياد التضخم في بريطانيا، واختلفت إنجلترا أيضا مع دول غرب أوروبا على مسألة الاشتراك في الجيش الأوربي.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ تعقدت العلاقات الإيرانية الإنجليزية بشأن البترول الإيراني وتأميمه، وقائم نزاع خطير بين الدولتين ذهب بالعلاقات الطيبة بينهما، واضطر الإنجليز آسفين إلى الانسحاب من عبادان، بعد أن رفضت الولايات المتحدة تقديم أي تأييد سياسي لهم.
فكانت هذه أول ضربة سياسية قاسية تلقاها الإنجليز بعد الحرب الكبرى الثانية، أخذ نفوذ الإنجليز في الشرق الأوسط بعدها في التضاؤل والضعف، ولم يعد لسياسة إنجلترا الخارجية ولا لاسمها نفس الاحترام الذي كان لها من قبل منذ ربع قرن من الزمان.
ورأت الحكومة المصرية في أوائل أكتوبر سنة 1951 أن الوقت قد آن لإلغاء معاهدة سنة 1936. فلقد فصل رئيس الحكومة في ذلك الوقت في بيانه في 8 أكتوبر في البرلمان الأسباب التي دعت الحكومة المصرية إلى اتخاذ هذه الخطوة الحاسمة (انظر الملحقات).
Unknown page