Qamus Muhit
القاموس المحيط
Investigator
مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة
Publisher
مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع
Edition Number
الثامنة
Publication Year
١٤٢٦ هـ - ٢٠٠٥ م
Publisher Location
بيروت - لبنان
وَمِنْ بَدِيعِ اخْتِصَارِهِ، وَحُسْنِ تَرْصِيعِ تِقْصَارِهِ [قِلادته]: أَنِّي إِذَا ذَكَرْتُ صِيغَةَ الْمُذَكَّرِ، أَتْبَعْتُهَا
الْمُؤَنَّثَ بِقَوْلِي: وَهِيَ بِهَاءٍ، (وَلَا أُعِيدُ الصِّيغَةَ)، وَإِذَا ذَكَرْتُ الْمَصْدَرَ مُطْلَقًا، أَوِ الْمَاضِيَ بِدُونِ الْآتِي، وَلَا مَانِعَ ; فَالْفِعْلُ عَلَى مِثَالِ كَتَبَ، وَإِذَا ذَكَرْتُ آتِيَهُ بِلَا تَقْيِيدٍ، فَهُوَ عَلَى مِثَالِ ضَرَبَ. عَلَى أَنِّي أَذْهَبُ إِلَى مَا قَالَ أَبُو زَيْدٍ: إِذَا جَاوَزْتَ الْمَشَاهِيرَ مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي يَأْتِي مَاضِيهَا عَلَى فَعَلَ، فَأَنْتَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِالْخِيَارِ: إِنْ شِئْتَ قُلْتَ يَفْعُلُ بِضَمِّ الْعَيْنِ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ يَفْعِلُ بِكَسْرِهَا (وَكُلُّ كَلِمَةٍ عَرَّيْتَهَا عَنِ الضَّبْطِ ; فَإِنَّهَا بِالْفَتْحِ، إِلَّا مَا اشْتُهِرَ بِخِلَافِهِ اشْتِهَارًا رَافِعًا لِلنِّزَاعِ مِنَ الْبَيْنِ) وَمَا سِوَى ذَلِكَ، فَأُقَيِّدُهُ بِصَرِيحِ الْكَلَامِ، غَيْرَ مُقْتَنِعٍ بِتَوْشِيحٍ الْقِلَامِ [الأقلام]، مُكْتَفِيًا بِكِتَابَةِ: ع، د، ة، ج، م، عَنْ قَوْلِي: مَوْضِعٌ، وَبَلَدٌ، وَقَرْيَةٌ، وَالْجَمْعُ، وَمَعْرُوفٌ. فَتَلَخَّصَ، وَكُلُّ غَثٍّ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - عَنْهُ مَصْرُوفٌ.
ثُمَّ إِنِّي نَبَّهْتُ فِيهِ عَلَى أَشْيَاءَ رَكِبَ فِيهَا الْجَوْهَرِيُّ ﵀ خِلَافَ الصَّوَابِ، غَيْرَ طَاعِنٍ فِيهِ، وَلَا قَاصِدٍ بِذَلِكَ تَنْدِيدًا لَهُ، وَإِزْرَاءً عَلَيْهِ، وَغَضًّا مِنْهُ، بَلِ اسْتِيضَاحًا لِلصَّوَابِ، وَاسْتِرْبَاحًا لِلثَّوَابِ، وَتَحَرُّزًا وَحِذَارًا مِنْ أَنْ يُنْمَى إِلَيَّ التَّصْحِيفُ، أَوْ يُعْزَى إِلَيَّ الْغَلَطُ وَالتَّحْرِيفُ. عَلَى أَنِّي لَوْ رُمْتُ لِلنِّضَالِ إِيتَارَ [شدَّ وَتر] الْقَوْسِ، لَأَنْشَدْتُ بَيْتَيِ الطَّائِيِّ حَبِيبِ بْنِ أَوْسٍ (*) وَلَوْ لَمْ أَخْشَ مَا يَلْحَقُ الْمُزَكِّيَ نَفْسَهُ مِنَ الْمَعَرَّةِ وَالدَّمَانِ [القبح]، لَتَمَثَّلْتُ بِقَوْلِ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ ; أَدِيبِ مَعَرَّةِ النُّعْمَانِ (**). وَلَكِنْ أَقُولُ كَمَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ فِي " الْكَامِلِ "، وَهُوَ الْقَائِلُ الْمُحِقُّ: لَيْسَ لِقِدَمِ الْعَهْدِ يُفَضَّلُ الْقَائِلُ، وَلَا لِحِدْثَانِهِ يُهْتَضَمُ الْمُصِيبُ، وَلَكِنْ يُعْطَى كُلٌّ مَا يَسْتَحِقُّ.
وَاخْتَصَصْتُ كِتَابَ الْجَوْهَرِيِّ مِنْ بَيْنِ الْكُتُبِ اللُّغَوِيَّةِ، مَعَ مَا فِي غَالِبِهَا مِنَ الْأَوْهَامِ الْوَاضِحَةِ، وَالْأَغْلَاطِ الْفَاضِحَةِ، لِتَدَاوُلِهِ وَاشْتِهَارِهِ بِخُصُوصِهِ، وَاعْتِمَادِ الْمُدَرِّسِينَ عَلَى نُقُولِهِ وَنُصُوصِهِ.
وَهَذِهِ اللُّغَةُ الشَّرِيفَةُ، الَّتِي لَمْ تَزَلْ تَرْفَعُ الْعَقِيرَةَ غِرِّيدَةُ بَانِهَا، وَتَصُوغُ ذَاتُ طَوْقِهَا بِقَدْرِ
_________
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: الطائي نسبة إلى طى القبيلة المشهورة، و(حبيب بن أوس) هو أبو تمام، والبيتان المقصودان هما
لا زلت من شكرى في حله ... لابسها ذو سلب فاخر
يقول من تقرع أسماعه ... كم ترك الأول للآخر.
وهذا الشطر الأخير جار في الأمثال المتداولة والمشهورة حتى قال الجاحظ ما علم الناس سوى قولهم: كم ترك الأول للآخر
(**) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هو الشاعر المشهور أبو العلاء المعري، وقوله المقصود هو:
وإنى وإن كنت الأخير زمانه ... لآت بما لم تستطعه الأوائل
1 / 28