المعري :
لكم الأكواخ المشيدة بالنا
ر وللبله في الجنان القصور
الجمهور :
غصبوا حقنا ولم ينصفونا
إنما نحن للحقوق نثور
قامت الحرب. والتحم الفريقان زبانية النار وأهلها في القتال، وجاءت الشياطين تنجد أهل الجحيم، فاستنجد الزبانية بالعرش الإلهي، فأنجدهم بجيش من الملائكة يقوده عزرائيل. وتلاقي الجيشان، في ضواحي الجحيم البركانية، وترامى المتقاتلون بالصواعق والبروق، وتحاربوا برماح تذوب في نارها الصخور، وببحار ماؤها مسعور، وبالجبال والبراكين، فانهزم الملائكة والزبانية، وتم النصر لأهل الجحيم وحلفائهم الشياطين.
هذه هي خلاصة القصيدة، وفيها الجيد والوسط والرديء من الشعر، وفيها من الحسنات الشعرية، الخيالية والبيانية، ومن الإبداع الفكري، الفلسفي والاجتماعي، ما يشفع بسيئاتها الفنية.
وإنه ليتبين لك أن جحيم الشاعر العربي يختلف عن جحيم الشاعر الإيطالي في سكانه، فقد شاهد دانته في النار أعداءه السياسيين، وفيهم القتلة والزناة واللصوص، وما شاهد الزهاوي غير الذين أنكروا الجحيم، ولم يؤمنوا بالآخرة، وأكثرهم من العلماء والشعراء والفلاسفة - أي من أصحاب النبوغ، ومحبي الحقيقة والجمال.
هذه هي الفكرة المبتذلة التي أوحت إلى الزهاوي فكرة غير مبتذلة. ولكنه في تبيانها ما نجا من الإسفاف. فجاء وصفه للنعيم وللجحيم وصفا تقليديا، صورة دكناء، واستعاراته بائخة. وجاء التكرار في قوافيه، والنثر في كثير من صيغه. فلو أنه في تقسيمه القصيدة جعل كل قسم منها قصيدة قائمة بذاتها، يصلها حبل القصة بأخواتها، دون أن يتقيد الشاعر بالبحر الواحد، والقافية الواحدة، في أبياتها الأربعمائة والثلاثين؛ لأنقذها على ما أظن من آفات التكرار، ومن التبذل والإسفاف.
Unknown page