قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية "٦٦١ - ٧٢٨" دراسة وتحقيق ربيع بن هادي عمير المدخلي أستاذ في السنة وعلومها بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية سابقًا

Unknown page

بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أَمَّا بعد: فإن التوحيد سر القرآن ولب الإيمان - كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ وهو دعوة جميع الرسل ومحور جميع الكتب السماوية، وهو صراط الله المستقيم، ولا سبيل إلى الجنة والنجاة من النار إلا به. ومن أجله شرع الجهاد وعلى أساسه ربى الأنبياء أتباعهم، أدرك ذلك سلفنا الصالح اهتداء بالقرآن والسنة، وجهله كثير من الناس وعلى رأسهم كثير من أدعياء العلم، بعد ذهاب العلماء حقًّا وبعد القرون المفضلة. ألهاهم عن التوحيد علوم اليونان؛ الفلسفة والمنطق والكلام وألهاهم التصوف وما امتزج به من حلول واتحاد وخرافات وأساطير وتعلق بالقبور وغلو في الأموات من الصالحين وغير الصالحين، ومع كل هذا لا يزال في الأمة من هو قائم بالحق وثابت عليه، يقيم حجة الله على عباده كما أشار إلى ذلك رسول الله ﷺ بقوله: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله" (١) . إلى أن أتى الله بشيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ الذي _________ (١) أخرجه البخاري في المناقب حديث (٣٦٤١) ومسلم في الإمارة حديث (١٩٢٠) .

المقدمة / 5

أمده الله بمواهب وطاقات أهلته لحمل لواء السنة وراية التوحيد وشجعته أن يتصدى للباطل وأهله في كل مجال بقوة وشجاعة وعلم واسع قل أن تتوافر في غيره بعد القرون المفضلة؛ فكان من ثمار ذلك الجهاد والعلم مؤلفاته الكثيرة النافعة التي لا يوجد لها نظير في شمولها وقوتها وعمقها وذيادها عن الحق ودك صروح الباطل في شتى ألوانه وصوره والتي هي المنار المضيء بعد كتاب الله وسنة رسول الله لكل مصلح ناصح يريد للأمة الإسلامية السعادة والفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة. ومن بين مؤلفاته النافعة الجليلة "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة" أحببت أن أقدمها للقرّاء الكرام في أحسن ثوب وأجمل صورة ولقد بذلت أقصى ما عندي من جهد في خدمتها من ضبط نصوصها وتخريج أحاديثها والحكم عليها وتخريج الآثار وعزو الأقوال إلى مصادرها وعمل الفهارس النافعة لها، ولا أدعي الكمال فالنقص والتقصير لازمة من لوازم البشر. أسأل الله أن ينفعني والقراء الكرام بما حوته من عقيدة وقواعد ومقاصد ونصوص ضمنها المؤلف العظيم هذا الكتاب المبارك. الأسباب الدافعة إلى العمل في هذا الكتاب أول الأسباب وأهمها هو أني في إحدى مطالعاتي في هذا الكتاب استوقفتني كلمة استبعدت أن تكون ممن هو دون شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ فضلًا عن أن تكون منه والكلمة هي: "والرغبة إلى الله ورسوله" في ص ٤٤ س ١٢ كما في نسخة محب الدين الخطيب ﵀ نشر المكتبة العلمية. بيروت وص ٤٤ س ٤ من طبعة زهير الشاويش سنة ١٣٩٠هـ ١٩٧٠م والتي راجعها - بطلب من الشيخ زهير -

المقدمة / 6

كل من الشيخ شعيب أرناؤوط والشيخ أحمد القطيفاني على المخطوطة المحفوظة في الظاهرية. وتكرر الخطأ نفسه في الطبعة الثانية لزهير سنة ١٣٩٨هـ - ١٩٧٨م ولم ينج من هذا الخطأ الشيخ عبد القادر أرناؤوط حيث خدم هذا الكتاب مشكورًا ونشره له مكتبة دار البيان في دمشق سنة ١٤٠٥هـ- ١٩٨٥م وجاء الخطأ نفسه في نسخته ص ٤٩ س ١٨ وكذلك جاء الخطأ نفسه في الطبعة التي راجعها الشيخ عطية محمد سالم، والخطأ جسيم جدًا ولا أدري كيف خفي على هؤلاء الأفاضل وواضح جدًا من كتاب الله ومن سنة رسوله أن الرغبة كسائر قضايا التوحيد من العبادات التي لا يجوز أن يتوجه بها العبد إلا إلى الله وحده ﷻ، كما قال تعالى (٩٤: ٧، ٨): ﴿فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب﴾ . وكما قال تعالى (٩: ٥٩): ﴿وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون﴾ . وكم رأينا شيخ الإسلام ابن تيمية يقرر في كتبه أن الرغبة من العبادات الخاصة بالله حتى في هذا الكتاب "التوسل والوسيلة" قرر فيه عدة مرات قبل هذا الموضع وبعده أن الرغبة من العبادات التي لا يجوز صرفها إلى غير الله، انظر إليه وهو يقرر أن الرغبة والحسب من خصائص الله لا يشركه فيها غيره. قال ﵀: "وسؤال الخلق في الأصل محرم، لكنه أبيح للضرورة وتركه توكلًا على الله أفضل، قال تعالى (٩٤: ٧، ٨): ﴿فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب﴾ أي ارغب إلى الله لا إلى غيره.

المقدمة / 7

وأما الحسب فأمرهم أن يقولوا: ﴿حسبنا الله﴾، لا أن يقولوا حسبنا الله ورسوله، ويقولوا: (٩: ٥٩) ﴿إنا إلى الله راغبون﴾، لم يأمرهم أن يقولوا: إنا إلى الله ورسوله راغبون. فالرغبة إلى الله وحده، كما قال تعالى في الآية الأخرى (٢٤: ٥٢): ﴿ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقْهِ فأولئك هم الفائزون﴾، فجعل الطاعة لله والرسول، وجعل الخشية والتقوى لله وحده "التوسل والوسيلة" ص ٥٦ الفقرتان (١٥٤، ١٥٥) وانظر ص ٢٣٧ الفقرة ٦٥٩ فإنه تكلم عن الرغبة وغيرها بمثل هذا الكلام الذي سقناه لك. وقال ﵀ في كتاب الرد على الأخنائي (ص ٩٨): "ويدخل في العبادة جميع خصائص الرب، فلا يتقى غيره، ولا يخاف غيره، ولا يتوكل على غيره، ولا يدعى غيره، ولا يصلى لغيره، ولا يصام لغيره، ولا يتصدق إلا له ولا يحج إلا إلى بيته، قال تعالى (النور: ٥٢): ﴿ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقهِ فأولئك هم الفائزون﴾ فجعل الطاعة لله والرسول، وجعل الخشية والتقوى لله وحده وقال تعالى (التوبة: ٥٩): ﴿ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون﴾ فجعل الإيتاء لله والرسول. كما قال تعالى (الحشر: ٧): ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾ وجعل التوكل والرغبة إلى الله وحده. وكثيرًا ما يذكر هذا في كثير من مؤلفاته ﵀. كان الخطأ السابق وما أعرفه في هذه القضية وما أعرفه من منهج شيخ الإسلام فيها وفي مثيلاتها من الجزم بأنها من العبادات الخاصة بالله، من أقوى الدوافع للقيام بخدمة هذا الكتاب فرأيت لزاما البحث أولًا عن

المقدمة / 8