بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة التحقيق
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد: فهذا سفر جديد ومؤلف نفيس ينشر لأول مرة، للعلامة القرآني والمجاهد المرابط الرباني، شيخ الإسلام والمسلمين أبي العباس أحمد بن تيمية ﵀، نقدمه للمسلمين في وقت هم أحوج ما يكونون فيه للشجاعة والتضحية والإقدام والثبات في مواجهة الهجمة الشرسة للصهيونية البغيضة على الإسلام والمسلمين.
وشيخ الإسلام الذي جاهد "التتار" بسيفه وقلمه لا يألو جهدا في تعليم المسلمين ما يعود عليهم بالنفع في دينهم ودنياهم لا سيما ما يتعلق بأمور الجهاد والمجاهدين، وذروة سنام الدين.
فالمجاهد الحق: هو المتبع المهتدي ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ (العنكبوت: ٦٩)، فلا يقدم على أي عمل بغير علم؛ حتى لا يفسد أكثر مما يصلح.
1 / 5
فالدخول في أمور الجهاد بجهل يحول الجهاد إلى إفساد، ويجر الفتن والشرور على الإسلام والمسلمين.
والمجاهد المخلص: الذي لا يريد علوا في الأرض ولا فسادا لا يظلم ولا يعتدي ولا يبغي ولا يغدر، فكل من البغي والغدر سبب لانتصار المبغي عليه على الباغي؛ قال سبحانه: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ﴾ (الحج: من الآية٦٠) .
والمجاهد المسلم: لا يجاهد في سبيل الله تشهيا في القتل وسفك الدماء وإهلاك الآخرين فهو يجمع في لقائه بعدوه لقصدين: بين إظهار كلمة التوحيد والغلظة على من خالفها ومنع المسلمين من إقامتها، وبين الإشفاق على الكفار من السيف أولا ومن عقبى النار آخرا بحيث يكون حبه وفرحه بإسلامهم أشد من الظفر بهم قتلى وأسرى؛ فإنهم عباد الله، قال سبحانه: ﴿كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ (النساء: من الآية٩٤) ١.
وأما تحقيق نسبة الكتاب للمؤلف:
فقد أشار المصنف ﵀ إليه عند كلامه على نفس المسألة؛ حيث يقول: "ولهذا جوز الأئمة الأربعة: أن ينغمس المسلم في صف
_________
١ راجع: "أسباب الظفر والانتصار" لابن الحنبلي (٥٣٦هـ) مخطوط، ورقة (٣،٤) .
1 / 6
الكفار، وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه؛ إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين، وقد بسطنا القول في هذه المسألة في موضع آخر"١.
وهذا الموضع الآخر هو كتابنا هذا.
وقد ذكره العلامة ابن عبد الهادي ﵀ في "العقود الدرية"٢ بعنوان: "قاعدة في الانغماس في العدو وهل يباح؟ ".
وهو ما اعتمدته هنا.
وقد ذكر المصنف ﵀ في أوله أن هذه المسألة هي: "في الرجل أو الطائفة يقاتل منهم أكثر من ضعفيهم إذا كان في قتالهم منفعة للدين، وقد غلب على ظنهم أنهم يقتلون".
وصف النسخة:
فقد اعتمدت على نسخة وحيدة تقع ضمن "مجموع" لشيخ الإسلام، محفوظ بـ"دار الكتب المصرية" برقم ٤٤٤ فقه تيمور.
وتقع هذه النسخة في ٤٨ صفحة، كما هو مرقم بالأصل.
كل صفحة بها ١٣ سطر. وهي مكتوبة بخط رقعة جميل.
وتم نسخها سنة ١٣١٩هـ، ولا يعرف ناسخها.
_________
١ "مجموع الفتاوى" (٢٨/٥٤٠) .
٢ "العقود الدرية" ص (٤٨) .
1 / 7
وأما عملنا في التحقيق:
فقد اتخذت هذه النسخة أصلا؛ وصوبت ما فيها من أخطاء بالرجوع إلى كلام المصنف في كتبه الأخرى.
كما قمت بضبط فقرات الكتاب كلها، ونسقت عباراتها ورقمت فقراتها برقم مسلسل ووضعت لها عناوين جانبية.
كما قمت بعزو الآيات ووضع العزو بجوار الآيات، وخرجت الأحاديث والآثار وبينت مرتبتها من حيث القبول والرد.
كما وضعت بعض التعليقات المهمة وأكثرها من كلام شيخ الإسلام من كتبه الأخرى، وبعض المصادر من كتب الفقه.
كما صنعت له فهارس للآيات والأحاديث والآثار والموضوعات.
هذا وقد اجتهدت في ذلك حسب الوسع والطاقة.
والله تعالى أسأل أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه، وأن يحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنه سميع مجيب.
ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الإسماعيلية في ١١محرم ١٤٢٢هـ
أبو محمد أشرف بن عبد المقصود غفر الله له
1 / 8
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المصنف
الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل الله ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
الحاجة إلى هذه المسألة.
١- فهذه مسألة يحتاج إليها المؤمنون عموما، والمجاهدون منهم خصوصا، وإن كان١ الإيمان لا يتم إلا بالجهاد٢.
٢- وكما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ (الحجرات: من الآية١٥) .
٣- ولكن الجهاد يكون للكفار والمنافقين أيضا.
٤- كما قال تعالى: ﴿جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ (التوبة: من الآية٧٣) .
_________
١ في الأصل: "جاز".
٢ يقول المصنف ﵀: "والجهاد تمام الإيمان وسنام العمل" "مجموع الفتاوى" (١٠/٤١٠) .
1 / 17