76

Proximate Fatwas of Ibn Taymiyyah

تقريب فتاوى ابن تيمية

Publisher

دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٤١ هـ

Publisher Location

السعودية

Genres

فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَد اسْتَدَلَّ بِهِ طَائِفَةٌ عَلَى جَوَازِ التَّوَسُّلِ بِالنَّبِيِّ ﷺ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ فِي هَذَا جَوَازُ التَّوَسُّلِ بِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ وَفِي مَغِيبِهِ؛ بَل إنَّمَا فِيهِ التَّوَسُّلُ فِي حَيَاتِهِ بِحُضُورِهِ، كمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ﵁ اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا إذَا أَجْدَبْنَا نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِنَبِيِّنا فَتَسْقِيَنَا، وَإِنَّا نتَوَسَّلُ إلَيْك بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا فَيُسْقَوْنَ (^١). وَقَد بَيَّنَ عُمَرُ بْن الْخَطَّابِ ﵁ أَنَّهُم كَانُوا يَتَوَسَّلُونَ بِهِ فِي حَيَاتِهِ فَيُسْقَوْنَ، وَذَلِكَ التَّوَسُّلُ بِهِ أَنَّهُم كَانُوا يَسْأَلُونَهُ أَنْ يَدْعُوَ اللهَ لَهُم فَيَدْعُو لَهُم ويدْعُونَ مَعَهُ وَيَتَوَسَّلُونَ بِشَفَاعَتِهِ وَدُعَائِهِ (^٢). وَأَمَّا الرَّجُلُ إذَا أَصَابَتْهُ نَائِبَةٌ أَو خَافَ شَيْئًا فَاسْتَغَاثَ بِشَيْخِهِ يَطْلُبُ تَثْبِيتَ قَلْبِهِ مِن ذَلِكَ الْوَاقِعِ: فَهَذَا مِن الشِّرْكِ، وَهُوَ مِن جِنْسِ دِين النَّصَارَى. فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: أَنَا أَدْعُو الشَّيْخَ لِيَكُونَ شَفِيعًا لِي: فَهُوَ مِن جِنْسِ دُعَاءِ النَّصَارَى لِمَرْيَمَ وَالْأَحْبَارِ وَالرّهْبَانِ، وَالْمُؤْمِنُ يَرْجُو رَبَّهُ ويخَافُهُ وَيَدْعُوهُ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ، وَحَقُّ شَيْخِهِ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ ويتَرَحَّمَ عَلَيْهِ. فَإِنْ زَعَمَ أَحَدٌ أَنَّ حَاجَتَهُ قُضِيَتْ بِمِثْل ذَلِكَ، وَأَنَّهُ مُثِّلَ لَهُ شَيْخُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ: فَعُبَّادُ الْكَوَاكِبِ وَالْأَصْنَامِ وَنَحْوُهُم مِن أَهْلِ الشِّرْكِ يَجْرِي لَهُم مِثْلُ هَذَا كَمَا قَد تَوَاتَرَ ذَلِكَ عَمَّن مَضَى مِن الْمُشْرِكِينَ وَعَن الْمُشْرِكِينَ فِي هَذَا الزَّمَانِ، فَلَوْلَا ذَلِكَ مَا عُبِدَت الْأَصْنَامُ وَنَحْوُهَا، قَالَ الْخَلِيلُ ﵇: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ

(^١) رواه البخاري (٣٧١٠). (^٢) وقال ﵀: تَوَسَّلُوا إلَيْهِ بِمَا شَرَعَهُ مِن الْوَسَائِلِ وَهِيَ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَة وَدُعَاءُ الْمُؤمِنِينَ، كَمَا يَتوَسَّلُ الْعَبْدُ إلَى اللهِ بِالْإِيمَانِ بِنَبِيِّهِ وَبِمَحَبَّتِهِ وَمُوَالَاتِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالسَّلَامِ، وَكَمَا يَتَوَسَّلُونَ فِي حَيَاتِهِ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ، كَذَلِكَ يَتَوَسَّلُ الْخَلْقُ فِي الْآخِرَةِ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ، ويتَوَسَّلُ بِدُعَاءِ الصَّالِحِينَ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "وَهَل تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إلَّا بِضُعَفَائِكُمْ: بِدُعَائِهِمْ وَصَلَاِتهِمْ وَاسْتِغْفَارِهِمْ". (٢٧/ ١٢٣).

1 / 82