59

Proximate Fatwas of Ibn Taymiyyah

تقريب فتاوى ابن تيمية

Publisher

دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٤١ هـ

Publisher Location

السعودية

Genres

٨٣ - اعْلَمْ أَنَّ عَامَّةَ السُّوَرِ الْمَكّيَّةِ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللهُ بِمَكَّةَ هِيَ فِي هَذَا الْإِيمَانِ الْعَامِّ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ جَمِيعِهِمْ وَالْمُؤْمِنِينَ جَمِيعِهِمْ، وَهَذَا الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ هُوَ فِي بَعْضِ الْمِلَلِ أَعْظَمُ قَدْرًا وَوَصْفًا. وَمِنْهُ مَا تَخْتَلِفُ فِيهِ الشَّرَائِعُ وَالْمَنَاهِجُ كَالْقِبْلَةِ وَالْمَنْسَكِ وَمَقَادِيرِ الْعِبَادَاتِ وَأَوْقَاتِهَا وَصِفَاتِهَا وَالسُّنَنِ وَالْأَحْكَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَمُسَمَّى الْإِيمَانِ وَالدِّينِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لَيْسَ هُوَ مُسَمَّاهُ فِي آخِرِ زَمَانِ النُّبُوَّةِ؛ بَل مُسَمَّاهُ فِي الْآخِرِ أَكْمَلُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣]. وَلهَذَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ مِن الْأَوَّلينَ والآخرين مِن الَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ مِن أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ مُشْتَرِكِينَ فِي الْإِيمَانِ باللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، مَعَ أَنَّ الْيَهُودَ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِم الْإِقْرَارُ بِمَا لَا يَجِبُ عَلَيْنَا الْإِقْرَارُ بِهِ؛ مِثْلُ إقْرَارِهِمْ بِوَاجِبَاتِ التَّوْرَاةِ وبمحرماتها مِثْل السَّبْتِ وَشَحْمِ الثَّرْبِ (^١) وَالْكُلْيَتَيْنِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِم التَّصْدِيقُ الْمُفَصَّلُ بِمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِم مِن أَسْمَاءِ اللهِ وَصِفَاتِهِ وَصِفَاتِ الْيَوْمِ الْآخِرِ، وَنَحْنُ يَجِبُ عَلَيْنَا مِن الْإِيمَانِ بِذَلِكَ مَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ، وَيَجِبُ عَلَيْنَا مِن الْإِقْرَارِ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَحَجِّ الْبَيْتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ دَاخِل فِي إيمَانِنَا وَلَيْسَ دَاخِلًا فِي إيمَانِهِمْ؛ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ بِهَذ الْأَشْيَاءِ دَاخِل فِي الْإِيمَانِ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ. [١٢/ ٤٧٥ - ٤٧٦] ٨٤ - قَوْله ﷺ: "لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِن وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِن" (^٢)

(^١) شحم الثَّرْب: شحم رقيق يُغَشِّي الكرش والأمعاء، جمعها ثروب وأثراب. (^٢) رواه البخاري (٥٥٧٨)، ومسلم من حديث أبي هريرة (٥٧).

1 / 65